قال مقاتل: " يقول: لن ينقصوا الله شيئا من ملكه وسلطانه لمسارعتهم في الكفر، إنما يضرون أنفسهم بذلك" (?).
قال الطبري: أي: " فإنهم لن يضروا الله بمسارعتهم في الكفر شيئًا، وكما أنّ مسارعتهم لو سارعوا إلى الإيمان لم تكن بنافعته، كذلك مسارعتهم إلى الكفر غير ضارَّته" (?).
قال السمرقندي: " أي: لا ينقصوا من ملك الله شيئا وسلطانه شيئا بكفرهم وهذا كما روى أبو ذر الغفاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قال الله لو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم، ما زاد ذلك في ملك الله شيئا ولو كان أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم، ما نقص من ملك الله جناح بعوضة» (?) " (?).
قال الزمخشري: " يسارعون في الكفر يقعون فيه سريعا ويرغبون فيه أشد رغبة، وهم الذين نافقوا من المتخلفين. وقيل: هم قوم ارتدوا عن الإسلام.
فإن قلت: فما معنى قوله: {ولا يحزنك}؟ ومن حق الرسول أن يحزن لنفاق من نافق وارتداد من ارتد؟ قلت: معناه: لا يحزنوك لخوف أن أن يضروك ويعينوا عليك. ألا ترى إلى قوله: {إنهم لن يضروا الله شيئا}، يعنى أنهم لا يضرون بمسارعتهم في الكفر غير أنفسهم، وما وبال ذلك عائدا على غيرهم" (?).
قال الراغب: " كما نهى تعالى عن الخوف مما يتوقع من حزب الشيطان، نهى عن
الحزن على ما يفوته منهم، ووصف الكفار بالمسارعة في الكفر، كما وصف المؤمنين بالمسارعة في الإيمان، فقال: {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [آل عمران: 114]، وحقيقة المسارعة في ذلك أن يترقى الإنسان فيما يتحراه منزلة فمنزلة، خيرا كان أو شرا، فيتعوده فيتقوى به على المنزلة الثانية، لأن الشر حاصل بعضه عن بعض، وحامل بعضه بعضا، وكذا الخير، وعلى هذا قال أمير المؤمنين: تبدو نكتة بيضاء في القلب، كلما ازداد الإيمان ازداد البياض، فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله، وإن النفاق يبدو نكتة سوداء، كلما ازداد النفاق ازداد السواد، فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله، وبين أن لا يعود إلى الله من مسارعتهم في الكفر مضرة، كقوله: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: 57] " (?).
ويحتمل قوله تعالى: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: 176]، وجهين (?):
أحدهما: أي: لن يضروا أولياء الله - عز وجل - إنما ضرر ذلك عليهم، كقوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105].
والثاني: ويحتمل: {لن يضروا الله شيئا}؛ لأنه ليس لله في فعلهم وعملهم نفع، ولا في ترك ذلك عليه ضرر؛ إنما المنفعة في عملهم لهم، والضرر في ترك عملهم عليهم، والله أعلم.
قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ} [آل عمران: 176]، " أي: يريد تعالى بحكمته ومشيئته ألاّ يجعل لهم نصيباً من الثواب في الآخرة" (?).
قال مقاتل: " يعني نصيبا في الجنة" (?).
قال الطبري: أي: " يريد الله أن لا يجعل لهؤلاء الذين يسارعون في الكفر، نصيبًا في ثواب الآخرة، فلذلك خذلهم فسارعوا فيه" (?).
قال ابن إسحاق: " {يريد الله أن لا يجعل لهم حظًّا في الآخرة}، أن يُحبط أعمالهم" (?).