والثالث: ويقال: "نزلت في مشركي قريش، لأنهم كانوا أقرباءه، والناس يقولون: لو كان قوله حقا لا تبعه أقرباؤه، فشق ذلك عليه فنزلت: {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} " (?).
قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [آل عمران: 176]، " أي: ولا تحزن ولا تتألم يا محمد لأولئك المنافقين الذين يبادرون نحو الكفر" (?).
قال الطبري: أي: " ولا يحزنك، يا محمد كفر الذين يسارعون في الكفر مرتدِّين على أعقابهم من أهل النفاق" (?).
قال مجاهد: " هم الكافرون" (?).
قال مقاتل: " يعني: المشركين يوم أحد" (?).
قال مجاهد: " يعني: أنهم المنافقون" (?). وروي عن محمد بن إسحاق مثل ذلك (?).
وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر: " {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر}، قال: كان رجل من اليهود قتل رجلا من أهل بيته، فقالوا لحلفائه من المسلمين: سلوا محمدا، فإن كان يقضي بالدية اختصمنا إليه، وإن كان يأمر بالقتل لم نأته" (?).
وقوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [آل عمران: 176]، يحتمل وجهين (?):
أحدهما: ولا يحزنك الذين ظاهروا غيرهم من المشركين عليكم، وقد ظاهر أهل مكة غيرهم من المشركين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول الله لرسوله: {ولا يحزنك} مظاهرتهم عليك؛ فإن الله ينصرك؛ فيخرج هذا مخرج البشارة له بالنصر على أعدائه والغلبة عليهم.
والثاني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يشتد عليه كفرهم بالله، ويحزن لذلك، كقوله – تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3]؛ فيخرج قوله: {ولا يحزنك} مخرج تسكين الحزن، ودفعه عنه، والتسلي عن ذلك، لا مخرج النهي؛ إذ الحزن يأخذ الإنسان، ويأتيه من غير تكلف ولا صنع، وكقوله تعالى: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]: هو على مخرج التسكين والدفع عنه، لا على النهي؛ فكذلك الأول - والله أعلم - وكقوله - تعالى - لأم موسى - عليه السلام: {وَلَا تَحْزَنِي} [القصص: 7].
وقرأ نافع {ولا يحزنك}، بضم الياء، وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان (?).
وقرأ طلحة بن مصرف: {يسرعون} (?).
قوله تعالى: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: 176]، " أي: إِنهم بكفرهم لن يضروا الله شيئاً وإِنما يضرون أنفسهم" (?).
قال مجاهد: "هم المنافقون" (?).
قال محمد بن إسحاق: " أي المنافقون إنهم لن يضروا الله شيئا" (?).
قال الواحدي: " وهم المنافقون واليهود والمشركون" (?).