قال عباد بن منصور: " سألت الحسن عن قوله: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}، قال: إنما كان ذلك تخويف الشيطان، ولا يخاف الشيطان إلا ولي الشيطان" (?).

قال النضر بن شميل: "تفسير المؤمن: إنه آمن من عذاب الله" (?).

قال الطبري: أي: " فلا تخافوا، أيها المؤمنون، المشركين، ولا يعظُمَن عليكم أمرهم، ولا ترهبوا جمعهم، مع طاعتكم إياي، ما أطعتموني واتبعتم أمري، وإني متكفِّل لكم بالنصر والظفر، ولكن خافون واتقوا أن تعصوني وتخالفوا أمري، فتهلكوا إن كنتم مؤمنين، يقول: ولكن خافونِ دون المشركين ودون جميع خلقي، أنْ تخالفوا أمري، إن كنتم مصدِّقي رسولي وما جاءكم به من عندي" (?).

قال ابن كثير: أي: فإذا سوّل لكم وأوهمكم فتوكلوا علي والجؤوا إلي، فأنا كافيكم وناصركم عليهم، كما قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} إلى قوله: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 36 - 38] وقال تعالى: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76] وقال تعالى: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19] وقال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21] وقال تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ. يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر: 51 - 52] " (?).

الفوائد:

1 - بيان شدة عداوة الشيطان لبني آدم، إذ يرعبهم ويخوفهم بأوليائه.

2 - أن الشيطان يدافع عن أوليائه بل يهاجم بهم.

3 - أنه يجب على المؤمن أن لايخاف من اولياء الشيطان، لقوله: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}.

4 - أنه كلما قوي إيمان الإنسان بالله قوي خوفه منه، لقوله: {إن كنتم مؤمنين}.

5 - أنه كلما قوي الإيمان بالله قوي الخوف منه وضعف الخوف من أولياء الشيطان.

6 - أن الحوف من الله هو من مقتضيات الإيمان ومستلزماته، لقولهك {إن كنتم مؤمنين}.

القرآن

{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)} [آل عمران: 176]

التفسير:

لا يُدْخِل الحزنَ إلى قلبك -أيها الرسول- هؤلاء الكفارُ بمسارعتهم في الجحود والضلال، إنهم بذلك لن يضروا الله، إنما يضرون أنفسهم بحرمانها حلاوة الإيمان وعظيم الثواب، يريد الله ألا يجعل لهم ثوابًا في الآخرة; لأنهم انصرفوا عن دعوة الحق، ولهم عذاب شديد.

في سبب نزول الآية أقوال:

أحدها: قال الكلبي: "يعني به المنافقين ورؤساء اليهود، كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب فنزل: ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر" (?).

والثاني: ويقال: "إن أهل الكتاب لما لم يؤمنوا، شق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الناس ينظرون إليهم ويقولون: إنهم أهل الكتاب، فلو كان قوله حقا لا تبعوه. فنزلت هذه الآية" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015