عن ابن شهاب قال: "إن الله- عز وجل- أنزل على نبيه في القدرية: {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا: لو أطاعونا ما قتلوا} " (?).

وعن عباد بن منصور قال: "سألت الحسن عن قوله: {لو أطاعونا ما قتلوا}، قال: هم الكفار يقولون لإخوانهم: لو كانوا عندنا ما قتلوا يحسبون أن حضورهم إلى القتال هو الذي يقدمهم إلى الأجل" (?).

قال الراغب: " هذه الآية من تمام صفة المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه، قالوا: إن قتلى أحد لو أطاعونا في التأخر عن القتال ولزموا بيوتهم ما قتلوا" (?).

قوله تعالى: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 168]، " أي قل يا محمد لأولئك المنافقين إن كان عدم الخروج ينجي من الموت فادفعوا الموت عن أنفسكم إِن كنتم صادقين في دعواكم" (?).

قال أبو عبيدة: " أي: ادفعوا عن أنفسكم الموت " (?).

قال محمد بن إسحاق: "أي: أنه لا بد من الموت، فإن استطعتم أن تدفعوه عن أنفسكم فافعلوا، وذلك أنهم إنما نافقوا وتركوا الجهاد في سبيل الله، حرصًا على البقاء في الدنيا، وفرارًا من الموت" (?).

قال الزجاج: " المعنى: إن كنتم تقدرون أن تؤخروا أجلا فهلا ترجعون الروح إذا بلغت

الحلقوم، وهلا تدرأون عن أنفسكم الموت" (?).

قال الزمخشري: "معناه: قل إن كنتم صادقين في أنكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلا وهو القعود عن القتال، فجدوا إلى دفع الموت سبيلا، يعنى أن ذلك الدفع غير مغن عنكم، لأنكم إن دفعتم القتل الذي هو أحد أسباب الموت، لم تقدروا على دفع سائر أسبابه المبثوثة، ولا بد لكم من أن يتعلق بكم بعضها" (?).

قال ابن عرفة: " فإِن قلت: لم يدعوا نفي الموت وإنما نفوا القتل، فلما قيل لهم: {فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ}، فالجواب: أن الموت أعم فإذا عجزوا بالأعم دخل في صحبة الأخص، وصيغة أفعل التعجيز وقوله: {ادرَءُوا}، ولم يقل: لَا تموتن، إشارة إلى ملازمة الموت لهم، وأنه أمر حتم لَا بد له منه، كما في سورة الجمعة {إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ}، أي: يأتيكم ويواجهكم، فإذا فررتم منه، فإليه تفرون" (?).

وفي قوله تعالى: {إِن كُنتُم صَادِقِينَ} [آل عمران: 168]، وجهان (?):

أحدهما: يعني: في خبركم أنهم لو أطاعوا ما قُتِلوا.

والثاني: معناه إن كنتم محقين في تثبيطكم عن الجهاد فراراً من القتل.

وقوله تعالى: {فادرأوا}، يعني: فادفعوا (?)، ومنه قول الشاعر (?):

تَقُولُ وَقَدْ دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي ... أهذَا دِينُهُ أَبَدًا وَدِيني

الفوائد:

1 - التنديد بهؤلاء الذين جمعوا بين قبح الفعل وقبح القول، يؤخذ من قوله: {قالوا}، و {قعدوا}.

2 - أن هؤلاء مع قبح قولهم وإدخال الندم على قومهم، اعترضوا على القدر، لقولهم: {لو اطاعونا ما قتلوا}.

3 - الإشارة إلى أن مثل هذا القول عند حلول القدر لا يجوز، لأنه سيق في سياق الذم، ولهذا قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015