قوله تعالى: {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} [آل عمران: 165]، أي: قلتم: " من أين جرى علينا هذا؟ " (?).

قال الضحاك: " بأي ذنب هذا؟ " (?).

قال الطبري: أي: قلتم: " من أيِّ وجه هذا؟ ومن أين أصابنا هذا الذي أصابنا، ونحن مسلمون وهم مشركون، وفينا نبي الله صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحي من السماء، وعدوُّنا أهل كفر بالله وشرك؟ " (?).

قال الفخر: " سبب تعجبهم أنهم قالوا نحن ننصر الإسلام الذي هو دين الحق، ومعنا الرسول، وهم ينصرون دين الشرك بالله والكفر، فكيف صاروا منصورين علينا! واعلم أنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة من وجهين:

الأول: ما أدرجه عند حكاية السؤال، وهو قوله: {قد أصبتم مثليها}، يعني: أن أحوال الدنيا لا تبقى على نهج واحد، فإذا أصبتم منهم مثلي هذه الواقعة فكيف تستبعدون هذه الواقعة؟

والثاني: قوله قل: {هو من عند أنفسكم} " (?).

قوله تعالى: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، " أي: قل لهم يا محمد: إِن سبب المصيبة منكم أنتم" (?).

قال ابن عباس: " عقوبة بمعصيتكم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: لا تتبعوهم "" (?).

قال محمد بن إسحاق: " أي: إن لم تكن قد أصابتكم مصيبة في إخوانكم، فبذنوبكم" (?).

قال الزجاج: " أي أصابكم بمعصيتكم النبي - صلى الله عليه وسلم - وما من قوم أطاعوا نبيهم في حربهم إلا نصروا، لأنهم إذا أطاعوا فهم حزب الله، وحزب الله هم الغالبون" (?).

قال الزمخشري: " المعنى: أنتم السبب فيما أصابكم، لاختياركم الخروج من المدينة، أو لتخليتكم المركز" (?).

قال الطبري: " قل يا محمد للمؤمنين بك من أصحابك: أصابكم هذا الذي أصابكم من عند أنفسكم، بخلافكم أمري وترككم طاعتي، لا من عند غيركم، ولا من قبل أحد سواكم" (?).

قال الفخر: " أنكم إنما وقعتم في هذه المصيبة بشؤم معصيتكم وذلك لأنهم عصوا الرسول في أمور:

أولها: أن الرسول عليه السلام قال: المصلحة في أن لا نخرج من المدينة بل نبقى هاهنا، وهم أبوا إلا الخروج، فلما خالفوه توجه إلى أحد.

وثانيها: ما حكى الله عنهم من فشلهم.

وثالثها: ما وقع بينهم من المنازعة.

ورابعها: أنهم فارقوا المكان وفرقوا الجمع.

وخامسها: اشتغالهم بطلب الغنيمة وإعراضهم عن طاعة الرسول عليه السلام في محاربة العدو، فهذه الوجوه كلها ذنوب ومعاصي، والله تعالى إنما وعدهم النصر بشرط ترك المعصية، كما قال: {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} " (?).

وفي تفسيرقوله تعالى: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، ثلاثة أوجه:

أحدها: معناه: أنكم تركتم ما أمرتم به، وطلبتم الغنيمة وتركتم مراكزكم، فمن قبلكم جاء الشر. وهذا قول: مقاتل (?)، وأبو الليث (?)، والكلبي (?)، وعطاء (?)، واختيار: الفراء (?)، والزجاج (?)، وابن قتيبة (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015