{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)} [آل عمران: 165]
التفسير:
أو لما أصابتكم -أيها المؤمنون- مصيبة، وهي ما أُصيب منكم يوم «أُحد» قد أصبتم مثليها من المشركين في يوم «بدْر»، قلتم متعجبين: كيف يكون هذا ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا وهؤلاء مشركون؟ قل لهم -أيها النبي-: هذا الذي أصابكم هو من عند أنفسكم بسبب مخالفتكم أمْرَ رسولكم وإقبالكم على جمع الغنائم. إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقِّب لحكمه.
في سبب نزول الآية:
أخرج الإمام أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة (?) في مسنديهما عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال: " فلما كان يوم أحدٍ من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدرٍ من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، وأنزل الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} الآية بأخذكم الفداء " (?).
وفي المعنى نفسه أخرج الطبري بسنده عن عبيدة السلماني عن علي قال: "جاء جبريل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمد، إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى، وقد أمرك أن تخيّرهم بين أمرين: أن يقدَّموا فتضرب أعناقهم، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يُقتل منهم عدتهم. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فذكر ذلك لهم، فقالوا: يا رسول الله، عشائرنا وإخواننا! ! لا بل نأخذ فداءهم فنتقوى به على قتال عدونا، ويستشهد منا عِدَّتهم، فليس في ذلك ما نكره! قال: فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر" (?).
قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} [آل عمران: 165]، أي: " أوَ حين أصابتكم، أيها المؤمنون، مصيبة" (?).
قال الطبري: " وهي القتلى الذين قتلوا منهم يوم أحد، والجرحى الذين جرحوا منهم بأحد، وكان المشركون قتلوا منهم يومئذ سبعين نفرًا" (?).
قال ابن كثير: " وهي ما أصيب منهم يوم أُحد من قتل السبعين منهم" (?).
قوله تعالى: {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران: 165]، أي: " قد أصبتم، أنتم أيها المؤمنون، من المشركين مثلي هذه المصيبة" (?).
قال ابن كثير: " يعني: يوم بَدْر، فإنهم قتلوا من المشركين سبعين قتيلا وأسروا سبعين أسيرا" (?).
قال الخفر: " الفائدة في قوله: قد أصبتم مثليها هو التنبيه على أن أمور الدنيا لا تبقى على نهج واحد، فلما هزمتموهم مرتين فأي استبعاد في أن يهزموكم مرة واحدة" (?).
قال ابن عباس: " يقول: إنكم أصبتم من المشركين يوم بدر مثل ما أصابوا منكم يوم أحد" (?). وروي عن جابر بن عبد الله، وعكرمة، والسدي، وقتادة، والضحاك، والربيع بن أنس نحو ذلك (?).