والهداية قد يأتي في كلام العرب: بمعنى التوفيق (?)، فمن ذلك قول الشاعر (?):
لا تَحْرِمَنِّي هَدَاكَ الله مَسْألتِي ... وَلا أكُونَنْ كمن أوْدَى به السَّفَرُ
يعنى به: وفَّقك الله لقضاء حاجتي. ومنه قول الآخر (?):
ولا تُعْجِلَنِّي هدَاك المليكُ ... فإنّ لكلِّ مَقامٍ مَقَالا
فمعلوم أنه إنما أراد: وفقك الله لإصابة الحق في أمري.
ومنه قول الله جل ثناؤه: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، أي: " لا يُوفِّقهم، ولا يشرَحُ للحق والإيمان صدورَهم" (?).
وذكر السمين الحلبي وجوها في معنى (الهداية) (?):
أحدها: الإرشاد.
والثاني: الدلالة.
والثالث: التقدم، ومنه هوادي الخيل لتقدمها قال امرؤ القيس (?):
فألحقه بالهاديات ودونه ... جواحرها في صرة لم تزيل
فقوله: الهاديات، أي: أوائل بقر الوحش.
والرابع: التبيين نحو: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17]. أي بينا لهم.
والخامس: الإلهام، نحو: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] أي ألهمه لمصالحه.
والسادس: الدعاء كقوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]، أي: داع.
والسابع: وقيل هو الميل، ومنه {إنا هدنآ إليك} [الأعراف: 56]، والمعنى: مل بقلوبنا إليك، قال السمين الحلبي: "وهذا غلط، فإن تيك مادة أخرى من هاد يهود" (?).
قال الحسن بن الفضل: " (الهدى) في القرآن على وجهين:
الوجه الأول: هدى دعاء وبيان كقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، وقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} [الرعد: 7]، و {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ} [فصّلت: 17].
الوجه الثاني: هدى توفيق وتسديد كقوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [النحل: 93]، وقوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] " (?).
وأما {الصراط}، ففيه ثلاثة أقوال (?):
أحدها: أنه السبيل المستقيم، ومنه قول جرير (?):