قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 75]، " أي: يكذبون على الله بادعائهم ذلك وهم يعلمون أنهم كاذبون مفترون " (?).
قال ابن جريج: " يعني: ادّعاءهم أنهم وجدُوا في كتابهم قولهم: {ليس علينا في الأميين سبيل} " (?).
قال السدي: " فيقول على الله الكذب وهو يعلم يعني الذي يقول منهم - إذا قيل له: ما لك لا تؤدي أمانتك؟ -: ليس علينا حرج في أموال العرب، قد أحلها الله لنا! " (?).
قال ابن كثير: " أي: وقد اختلقوا هذه المقالة، وائتفكوا بهذه الضلالة، فَإن الله حَرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها، وإنما هم قوم بُهْت" (?).
الفوائد:
1 - بيان انقسام أهل الكتاب إلى قسمين: أمين وخائن، كما انقسموا إلى قسمين: مؤمن وكافر، وبالتالي يجب الحذر منهم عند التعامل.
2 - جواز الاقتصار على المثال ليقاس عليه ما يشبهه، لأنه قال قنطار ودينار على سبيل التمثيل.
3 - اعجاب أهل الكتاب بأنفسهم واحتقارهم لغيرهم، لقولهم: {ليس علينا في الأميين سبيل}.
4 - قولهم على الله الكذب وذلك بنسبتهم الظلم والعدوان إلى شريعة الله.
5 - إن من افترى على الله الكذب وهو يعلم، أشد إثما وعدوانا ممن لايعلم، وإن كان كل منهم على خطأ.
6 - إن الجهل المركب أقبح من الجهل البسيط، لأن الذي يكذب وهو يعلم أقبح من الذي يرى أن هذا هو العلم.
القرآن
{بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)} [آل عمران: 76]
التفسير:
ليس الأمر كما زعم هؤلاء الكاذبون، فإن المتقي حقاً هو من أوفى بما عاهد الله عليه من أداء الأمانة والإيمان به وبرسله والتزم هديه وشرعه، وخاف الله عز وجل فامتثل أمره وانتهى عما نهى عنه. والله يحب المتقين الذين يتقون الشرك والمعاصي.
قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى} [آل عمران: 76]، " أي ليس كما زعموا بل عليهم فيه إِثم لكنْ من أدّى الأمانة منهم وآمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ واتقى الله واجتنب محارمه" (?).
قال الحسن: " أمروا أن يؤدوا إلى كل مسلم عهده" (?).
قال ابن كثير: " أي: لكن من أوفى بعهده منكم يا أهل الكتاب الذي عاهدكم الله عليه، من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث، كما أخذ العهد والميثاق على الأنبياء وأممهم بذلك، واتقى محارم الله تعالى واتبع طاعته وشريعته التي بعث بها خاتم رسله وسيد البشر" (?).
قال الزمخشري: " والضمير في {بعهده}، راجع إلى {من أوفى}، على أن كل من أوفى بما عاهد عليه واتقى الله في ترك الخيانة والغدر، فإن الله يحبه.
فإن قلت، فهذا عام يخيل أنه لو وفي أهل الكتاب بعهودهم وتركوا الخيانة لكسبوا محبة الله.