قال ابن جريج: "قال بعضهم لبعض: لا تخبرونهم بما بين الله لكم في كتابه، فيخاصموكم عند ربكم، فتكون لهم حجة عليكم " (?).
قال الزجاج: " ومعنى: {أو يحاجوكم عند ربكم}: أي: ليس يكون لأحد حجة عند الله في الإيمان به لعلم من عنده. إلا من كان مثلكم" (?).
قال الأخفش: أي: " ولا تؤمنوا أن يحاجوكم [{عند ربكم}] " (?).
قال ابن أبي زمنين: أي: " ولن يحاجكم بمثل دينكم أحد عند ربكم" (?).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن السدي: " {أو يحاجوكم عند ربكم}، يقول اليهود: فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة حتى أنزل علينا المن والسلوى" (?).
قال الماتريدي: " قوله: {أو يحاجوكم عند ربكم}: راجع إلى قوله: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 73]، فـ {يحاجوكم عند ربكم} أنهم قد آمنوا به مرة وأقروا له؛ وهو كقوله: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} [البقرة: 76]: أنهم كانوا يظهرون لهم الإسلام والإيمان، ثم إذا خلوا قالوا: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14]؛ فقال بعضهم لبعض: لا تظهروا لهم الإسلام؛ فيحاجوكم عند ربكم في الآخرة؟ ! " (?).
نستنتج بأن في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} [آل عمران: 73]، وجهان (?):
أحدهما: أن في الكلام حذفاً , وتقديره: قل إن الهدى هدى الله ألاَّ يُؤْتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم أُّيها المسلمون , ثم حذف (لا) من الكلام لدليل الخطاب عليها مثل قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا} [النساء: 176] أي لا تضلوا , وهذا معنى قول السدى (?) , وابن جريج (?).
والثاني: أن معنى الكلام: قل إن الهدى هدى الله فلا تجحدوا أن يُؤْتى أحد مثل ما أوتيتم.
وقرأ ابن كثير: «أان يؤتى» بهمزتين: الأولى مخففة، والثانية ملينة على الاستفهام، مثل: أانتم أعلم، أي لا يعطى أحد مثل ما أعطيتم وهو متصل بقوله {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} {أن يؤتى أحد} ويكون قوله {إن الهدى هدى الله} خبرا اعترض في وسط الكلام ولم يغير من المعنى شيئا وإذا حمل الكلام على هذا كان قوله أن يؤتى بعد من الحكاية عن اليهود يقول لا تصدقوا أن يعطى أحد مثل ما أعطيتم.
وقرأ الباقون: {أن يؤتى}، بلا استفهام، وتأويله ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وقد بينا في كتاب التفسير (?).
وفي قوله تعالى: {أَوْ يُحَآجُّوكُم عِندَ رَبِّكُم}} [آل عمران: 73]، وجهان:
أحدهما: يعني ولا تؤمنوا أن يُحَاجّوكم عند ربكم، لأنه لا حجة لهم , وهذا قول الحسن (?) , وقتادة (?).
والثاني: إن معناه حتى يُحَاجُّوكم عند ربكم , على طريق التبعيد , كما يقال: لا تلقاه أو تقوم الساعة , وهذا قول الكسائي (?) , والفراء (?).