والثاني: أنهم يهود خبير قالوا ذلك ليهود المدينة , وهذا قول الحسن (?).
واختلف في سبب نهيهم أن يؤمنوا إلا لِمَنْ تَبعَ دينهم على قولين (?):
أحدهما: أنهم نُهُوا عن ذلك لِئَلاً يكون طريقاً لعبدة الأوثان إلى تصديقه, وهذا قول الزجاج (?).
والثاني: أنهم نُهُوا عن ذلك لِئَلاَّ يعترفوا به فيلزمهم العمل بدينه لإقرارهم بصحته.
وقد ذكر الماتريدي في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 73]، وجوها (?):
أحدها: يحتمل أن يكون في السر، أي لاتصدقوهم في السرّ، وإن أعطيتم لهم الظاهر.
والثاني: أن يكون بعد ما أظهرتم، اكفروا آخره.
والثالث: أن المعنى: لا تؤمنوا بما جاء به، إلا لأجل من تبع دينكم؛ فيكون عندهم قدوة، يتقرر عندهم -بالذي فعلتم- أنكم أهل الحق؛ فيتبعكم كيفما تصيرون إليه.
والرابع: ويحتمل: {لا تؤمنوا}: لا تصدقوا فيما يخبركم عن أوائلكم، {إلا لمن تبع دينكم} على المنع عن تصديق الرسول فيما يخبرهم من التحريف والتبديل.
وفي قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 73]، وجهان (?):
أحدهما: البيان هو ما بين الله؛ إذ هو الحق، وكل ما فيه الصرف عنه فهو تلبيس وتمويه.
والثاني: ويحتمل: أن يكون الدين هو الذي دعا إليه بما أوضحه وأنار برهانه، لا الدين الذي دعا إليه أولئك المنحرفون.
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آل عمران: 73]، أي: " قل لهم يا محمد: الهدى ليس بأيديكم وإِنما الهدى هدى الله، يهدي من يشاء إِلى الإِيمان ويثبته عليه" (?).
قال الكلبي: "يقول: دين الله هو الإسلام" (?).
قال الزمخشري: " معناه أن الهدى هدى الله، من شاء أن يلطف به حتى يسلم، أو يزيد ثباته على الإسلام، كان ذلك، ولم ينفع كيدكم وحيلكم وزيكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين" (?).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن جريج: " قوله: {إن الهدى هدى الله}، قال: هذا الأمر الذي أنتم عليه" (?).
قوله تعالى: {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} [آل عمران: 73]، أي: " خشية أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم" (?).
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم (?)، عن أبي مالك، وسعيد بن جبير: {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} قالا: " أمة محمد" (?).
وعن السدي: " يقول: ما أوتي أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد" (?).
قال مجاهد: " حسدا من يهود أن تكون النبوة في غيرهم، وأرادو أن يتابعوا على دينهم " (?).