ولا تصدِّقوا تصديقًا صحيحًا إلا لمَن تبع دينكم فكان يهودياً، قل لهم -أيها الرسول-: إن الهدى والتوفيق هدى الله وتوفيقه للإيمان الصحيح. وقالوا: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلمون منكم فيساووكم في العلم به، وتكون لهم الأفضلية عليكم، أو أن يتخذوه حجة عند ربكم يغلبونكم بها. قل لهم -أيها الرسول-: إن الفضل والعطاء والأمور كلها بيد الله وتحت تصرفه، يؤتيها من يشاء ممن آمن به وبرسوله. والله واسع عليم، يَسَعُ بعلمه وعطائه جميع مخلوقاته، ممن يستحق فضله ونعمه.
في سبب نزول قولان:
أحدهما: قال السدي: "قال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: {قل إنّ الهدى هُدَى الله أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم}، يقول، مثل ما أوتيتم يا أمة محمد {أو يحاجوكم عند ربكم}، تقول اليهود: فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة، حتى أنزل علينا المن والسلوى، فإن الذي أعطيتكم أفضلُ، فقولوا: {إن الفضْل بيد الله يؤتيه من يشاء}، الآية" (?).
والثاني: قال أبو مالك: " كان اليهود يقول أحبارهم للذين من دونهم لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، فأنزل الله تعالى: {قل إن الهدى هدى الله} " (?).
قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 73]، أي: " لا تصدقوا ولا تظهروا سرّكم وتطمئنوا لأحدٍ إِلا إِذا كان على دينكم" (?).
قال أبو عبيدة: أي: " لا تقرّوا: لا تصدّقوا" (?).
قال الفراء: " فإنه يقال: إنها من قول اليهود. يقول: ولا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم" (?).
قال الطبري: أي: " لا تؤمنوا إلا لمن آمن بدينكم، ومَنْ خالفه فلا تؤمنوا له" (?).
قال الثعلبي: أي: " ولا تصدقوا إلا من وافق ملتكم وصلى إلى قبلتكم" (?).
قال الزجاج: " قيل: المعنى: لا تجعلوا تصديقكم النبي في شيء مما جاءكم به إلا لليهود، فإنكم إن قلتم ذلك للمشركين كان عونا لهم على تصديقه، وقال أهل اللغة وغيرهم من أهل التفسير: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، أي لا تصدقوا أن يعطى أحد من علم النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أعطيتم " (?).
وقال الزمخشري: أي: " ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر وهو إيمانهم وجه النهار، إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم لأن رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم، ولأن إسلامهم كان أغيظ لهم" (?).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 73]، وجهان (?):
أحدهما: معناه لا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم. قاله الكلبي (?)، وهو قول الجمهور.
والثاني: أن المعنى: لا تعترفوا بالحق إلا لمن تبع دينكم.
واخْتُلِفَ في الذين قالوا ذلك على قولين:
أحدهما: أنهم كافة اليهود , قال ذلك بعضهم لبعض , وهذا قول قتادة (?)، والربيع (?)، والسدي (?) , وابن زيد (?).