والثاني: بل الذي أمرَت به من الإيمان: الصلاةُ، وحضورها معهم أول النهار، وتركُ ذلك آخرَه. وهذا قول ابن عباس (?)، ومجاهد (?).
قوله تعالى: {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ} [آل عمران: 72]، " أي: ادخلوا في دينهم على وجه المكر والكيد أول النهار، فإذا كان آخر النهار فاخرجوا منه" (?).
قال مجاهد: " قال: صلوا معهم الصبح، ولا تصلّوا معهم آخرَ النهار، لعلكم تستزلُّونهم بذلك" (?).
قال قتادة: " {وجه النهار}: اول النهار" (?).
قال الربيع: " {وجه النهار}: أول النهار، {واكفروا آخره}، يقول: آخر النهار" (?).
وسمَّى أوّل النهار: وجه النهار، لأنه أحسنه، وأوّلُ ما يواجه الناظرَ فيراه منه، كما يقال لأول الثوب: وجهه (?)، ومن ذلك قول ربيع بن زياد (?):
مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بمَقْتَلِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ
قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران: 72]، أي: "لعلهم يرجعون عن دينهم معكم ويَدَعونه" (?).
قال ابن عباس: " لعلهم ينقلبون عن دينهم" (?).
قال السدي: " لعلهم يشكّون" (?).
قال مجاهد: "لعلهم يرجعون عن دينهم" (?).
قتادة: " يقول: لعلهم يدَعون دينهم، ويرجعون إلى الذي أنتم عليه" (?).
قال مقاتل بن سليمان: " يعني: لكي يرجعوا عن دينهم إلى دينكم" (?).
قال ابن كثير: " هذه مكيدة أرادوها ليلْبسُوا على الضعفاء من الناس أمْر دينهم، وهو أنهم اشْتَوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار ويُصَلّوا مع المسلمين صلاة الصبح، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس: إنما رَدّهم إلى دينهم اطّلاعهُم على نقيصة وعيب في دين المسلمين" (?).
الفوائد:
1 - بيان كيد الكافرين للمسلمين، وذلك بسلوك طرق الحيل المتنوعة.
2 - قد يكون في أهل الكتاب منافقون، لقوله: {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ}، لأن المؤمن حقا لابد أن يستقر الايمان في قلبه ولا يكفر ولايرجع.
3 - أن المؤمن قد يخدع بمثل هذه الخديعة، فيتظاهر عدوه بانه موافق له ثم يبرأ منه في النهاية.
القرآن
{وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)} [آل عمران: 73]
التفسير: