ث وقال الواحدي "قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة بدر ألم تروا إلى ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم" (?).
والثاني: وقال مقاتل بن سليمان: " نزلت في عمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان وذلك أن اليهود جادلوهما ودعوهما إلى دينهم. وقالوا: إن ديننا أفضل من دينكم ونحن أهدى منكم سبيلا فنزلت: {ودت طائفة من أهل الكتاب ... } إلى آخر الآية" (?).
قوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} [آل عمران: 69]، أي: " تمنّت جماعة من اهل الكتاب لو يصدّونكم عن الاسلام" (?).
قال سفيان: " كل شيء في آل عمران من ذكر أهل الكتاب فهو في النصارى" (?).
قال الطبري: " و " الإضلال " في هذا الموضع، الإهلاكُ، من قول الله عز وجل: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [السجدة: 10]، يعني: إذا هلكنا، ومنه قول الأخطل في هجاء جرير (?):
كُنْتَ القَذَى فِي مَوْجِ أَكْدَرَ مُزْبِدٍ ... قَذَفَ الأتِيُّ بِهِ فَضَلّ ضلالا
يعنى: هلك هلاكًا، وقول نابغة بني ذبيان (?):
فَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ ... وَغُودِرَ بِالجَوْلانِ حَزْمٌ ونَائِلُ
يعني مهلكوه" (?).
قوله تعالى: {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 69]، "أي: وما يهلكون غير أنفسهم" (?).
قال الطبري: " يعني بـ {أنفسهم}: أتباعهم وأشياعَهم على ملَّتِهم وأديانهم، وإنما أهلكوا أنفسَهم وأتباعهم بما حاولوا من ذلك لاستيجابهم من الله بفعلهم ذلك سخَطه، واستحقاقهم به غَضَبه ولعنته، لكفرهم بالله، ونقضِهم الميثاقَ الذي أخذ الله عليهم في كتابهم، في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه، والإقرار بنبوّته" (?).
قوله تعالى: {وَمَا يَشْعُرُونَ} [آل عمران: 69]، أي: وما يفطنون لذلك" (?).
قال الطبري: " {وما يشعرون}، بأنهم لا يضلون إلا أنفسهم، بمحاولتهم إضلالكم أيها المؤمنون" (?).
الفوائد:
1 - بيان عداوة أهل الكتاب للمسلمين إذ يودون الإضلال.
2 - التحذير من أهل الكتاب وأنهم يحاولون صد المسلمين عند دينهم.
3 - أن المعتدي يجازي بمثل عدوانه، ويبتلى ما ابتلى غيره به، لقوله: {وما يضلون إلا أنفسهم}.
4 - إحاطة علم الله تعالى في قلوب الخلق، لقوله: {ودت طائفة}، فإن الود محله القلب، ولا يعلم ما في القلوب إلا الله.
القرآن
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)} [آل عمران: 70]
التفسير:
يا أهل التوراة والإنجيل لم تجحدون آيات الله التي أنزلها على رسله في كتبهم، وفيها أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو الرسول المنتظر، وأن ما جاءكم به هو الحق، وأنتم تشهدون بذلك؟ ولكنكم تنكرونه.