قال الطبري: أي: ": فإن الله ذو علم بالذين يعصون ربهم، ويعملون في أرضه وبلاده بما نهاهم عنه، وذلك هو إفسادهم، فهو عالم بهم وبأعمالهم، يحصيها عليهم ويحفظها، حتى يجازيهم عليها جزاءَهم" (?).

قال ابن كثير: " أي: من عدل عن الحق إلى الباطل فهو المفسد والله عليم به، وسيجزيه على ذلك شر الجزاء، وهو القادر، الذي لا يفوته شيء" (?).

قال الراغب: أي" فإن حالهم في كونهم مفسدين ظاهرة، وعقوبتهم واجبة، فهو تعالى معاقبهم" (?).

قال الصابوني: أي: "فإِنهم مفسدون والله عليم بهم وسيجازيهم على ذلك شر الجزاء" (?).

قال البغوي: {بالمفسدين}: أي: " الذين يعبدون غير الله، ويدعون الناس إلى عبادة غير الله" (?).

قال البيضاوي: " وعيد لهم ووضع المظهر موضع المضمر ليدل على أن التولي عن الحجج والإعراض عن التوحيد، إفساد للدين والاعتقاد المؤدي إلى فساد النفس بل وإلى فساد العالم" (?).

الفوائد:

1 - تهديد من تولى عن دين الله تعالى، فقال: {فإن الله عليم بالمفسدين}، لأن المقصود من ذكر علمه بهم تهديدهم، وأنه لا يخفى عليه حالهم، وسيعاقبهم بما تفتضيه حالهم.

2 - أن التولي عن دين الله فساد، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].

3 - أن كل من تولّى عن دين الله فهو مفسد، ولو زعم أنه مصلح، لقوله: {فإن الله عليم بالمفسدين}، ولهذا قال أهل التفسير في قوله: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]، أي: لا تفسدوها بالمعاصي، فكل عاص مفسد شاء ام أبى، وكل مطيع هو مصلح، لأن بضدها تتبيّن الأشياء.

القرآن

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)} [آل عمران: 64]

التفسير:

قل -أيها الرسول- لأهل الكتاب من اليهود والنصارى: تعالَوْا إلى كلمة عدل وحق نلتزم بها جميعًا: وهي أن نَخُص الله وحده بالعبادة، ولا نتخذ أي شريك معه، من وثن أو صنم أو صليب أو طاغوت أو غير ذلك، ولا يدين بعضنا لبعض بالطاعة من دون الله. فإن أعرضوا عن هذه الدعوة الطيبة فقولوا لهم -أيها المؤمنون-: اشهدوا علينا بأنا مسلمون منقادون لربنا بالعبودية والإخلاص. والدعوة إلى كلمة سواء، كما تُوجَّه إلى اليهود والنصارى، توجَّه إلى من جرى مجراهم.

في سبب نزول الآية ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها نزلت في الوفد من نصارى نجران. قاله السدي (?)، وابن زيد (?)، ومحمد بن جعفر بن الزبير (?)، والحسن (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015