قال الحسن: " جعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. قال: المسلمون من فوقهم، وجعلهم أعلى ممن ترك الإسلام إلى يوم القيامة" (?).
وفي رواية أخرى عن الحسن: " هم أهل الإسلام الذين اتبعوه على فطرته وملته وسنته، لا يزالون ظاهرين على أهل الشرك إلى يوم القيامة" (?).
قال الربيع: هم أهل الإسلام الذين اتبعوه على فطرته، وملته، وسنته لا يزالون ظاهرين على أهل الشرك إلى يوم القيامة" (?).
وقال ابن زيد في قول الله: {ومطهرك من الذين كفروا}: قال: الذين كفروا من بني إسرائيل، {وجاعل الذين اتبعوك}: قال: الذين آمنوا به من بني إسرائيل وغيرهم، {فوق الذين كفروا}: النصارى فوقَ اليهود إلى يوم القيامة. قال: فليس بلدٌ فيه أحدٌ من النصارى، إلا وهم فوق يهودَ، في شرقٍ ولا غرب، هم في البلدان كلِّها مستذلون" (?).
قال ابن كثير: " وهكذا وقع؛ فإن المسيح، عليه السلام، لما رفعه الله إلى السماء تَفَرَّقت أصحابه شيَعًا بعده؛ فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ورسوله وابن أمته، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله، وآخرون قالوا: هو الله. وآخرون قالوا: هو ثالث ثلاثة. وقد حكى الله مقالاتهم في القرآن، ورَد على كل فريق، فاستمروا كذلك قريبا من ثلاثمائة سنة، ثم نَبَع لهم ملك من ملوك اليونان، يقال له: قسطنطين، فدخل في دين النصرانية، قيل: حيلة ليفسده، فإنه كان فيلسوفا، وقيل: جهلا منه، إلا أنه بَدل لهم دين المسيح وحرفه، وزاد فيه ونقص منه، ووضعت له القوانين والأمانة الكبيرة - التي هي الخيانة الحقيرة - وأحل في زمانه لحم الخنزير، وصَلّوا له إلى المشرق وصوروا له الكنائس، وزادوا في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه، فيما يزعمون. وصار دين المسيح دين قسطنطين إلا أنه بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارت ما يزيد على اثنى عشر ألف معبد، وبنى المدينة المنسوبة إليه، واتبعه الطائفة المَلْكِيَّة منهم. وهم في هذا كله قاهرون لليهود، أيَّدهم الله عليهم لأنهم أقرب إلى الحق منهم، وإن كان الجميع كفار، عليهم لعائن الله فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق - كانوا هم أتباع كُل نبي على وجه الأرض - إذ قد صدقوا الرسول النبي الأمي، خاتم الرسل، وسيد ولد آدم، الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق، فكانوا أولى بكل نبي من أمته، الذين يزعمون أنهم على ملّته وطريقته، مع ما قد حَرّفوا وبدلوا " (?).
وذكر أهل العلم في معنى "الفوقية" في قوله تعالى: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 55]، ثلاثة أوجه من التفسير (?):
أحدها: أنهم فوقهم بالبرهان والحجة. رجّحه الراغب (?).
والثاني: أنهم فوقهم في اليد والبسطة والعز والغلبة. قاله ابن زيد (?).
والثالث: أنهم فوقهم يوم القيامة في الجنة، إذ هم في الغرفات آمنون، والذين كفروا في أسفل السافلين! (?)
قال النسفي: " يعلونهم بالحجة وفي أكثر الأحوال بها وبالسيف" (?).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 55] وجوه: