قال الزمخشري: " وقيل: لم يخلق غير الخفاش" (?).
وقرأ عبد الله: {فأنفخها} (?).
وقرأ نافع: {فَيَكُونُ طَائِرًا بِإِذْنِ اللَّهِ}، على التوحيد (?)، وهي قراءة مخالفة لخط المصحف استبعدها الطبري (?).
قوله تعالى: {وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ} [آل عمران: 49]، " أي وأشفي الذي ولد أعمى كما أشفي المصاب بالبرص" (?).
قال مقاتل: {الْأَكْمَهَ}: " الذي ولدته أمه أعمى الذي لم ير النور قط فيرد الله بصره (?).
قال الثعلبي: " أي أشفيهما وأصححهما ... والأبرص الذي به وضح، وإنمّا خصّ هذين لأنهما عميان وكان الغالب على زمن عيسى الطبّ فأراهم الله المعجزة من جنس ذلك داعيا لا دواء له" (?).
وقد اختلف أهل التفسير في معنى {الأكمه} على أقوال:
أحدها: أنه الذي يُبصر بالنهار، ولايبصر بالليل. قاله مجاهد (?).
والثاني: أنه الأعمى الذي ولدته أمه كذلك ولم يبصر ضوءا قط. قاله ابن عباس (?)، وقتادة (?)، ومقاتل بن سليمان (?)، وأبو عبيدة (?)، والزجاج (?).
ورجّحه ابن كثير، وقال: " وهو أشبه؛ لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي" (?).
والثالث: أنه الأعمى على الإطلاق. وهذا قول الحسن (?)، والسدي (?)، وكذلك روي عن ابن عباس-في أحد قوليه- (?)، وقتادة-في أحد قوليه- (?)، وعكرمة- في أحد قوليه- (?).
والرابع: أنه الأعمش. قاله عكرمة (?).
والراجح –والله أعلم- هو القول الثاني، أي: الذي يولد أعمى، وعليه الجمهور، كما يقول ابن حجر في فتح الباري؛ لأن إبراء الذي يولد أعمى هو الذي فيه المعجزة، أما من يصيب عينيه مرض عارض، فهذا قد يعالجه الطب البشري (?).
والمشهور في كلام العرب، أن الأكمه، هو الأعمى، قال سويد بن أبي كاهل (?):
كَمَّهَتْ عَيْنَيْهِ حَتَّى ابْيَضّتَا ... فَهْوَ يَلْحَى نَفْسَهُ لَمَّا نزعْ
ومنه قول رؤبة (?):
هَرَّجْتُ فَارْتَدَّ ارْتِدَادَ الأكْمَهِ ... فِي غَائِلاتِ الحَائِرِ المُتَهْتِهِ
قوله تعالى: {وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 49]، " أي وأحيي بعض الموتى بمشيئة الله وقدرته" (?).
قال مقاتل: " ففعل ذلك وهم ينظرون وكان صنيعه هذا آية من الله- عز وجل- بأنه نبي ورسول إلى بني إسرائيل، فأحيا سام بن نوح بن ملك من الموت بإذن الله، فقالوا له: إن هذا سحر فأرنا آية نعلم أنك صادق" (?).
روي عن عبدالصمد بن معفل، أنه سمع وهب بن منبه، قال: "لما صار عيسى ابن اثنتي عشرة سنة، أوحى الله إلى أمه وهي بأرض مصر، وكانت هربت من قومها حين ولدته إلى أرض مصر: أنِ اطْلُعي به إلى الشام. ففعلت الذي أمرت به. فلم تزل بالشام حتى كان ابن ثلاثين سنة، وكانت نبوّته ثلاث سنين، ثم رفعه الله إليه قال: وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفًا، من أطاق منهم أن يبلغه بلغه، ومن لم يطق منهم ذلك أتاه عيسى يمشي إليه، وإنما كان يداويهم بالدعاء إلى الله" (?).
قال الزمخشري: " وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده. وكرر بإذن الله دفعا لوهم من توهم فيه اللاهوتية" (?).
قال الكلبي: "كان عيسى -عليه السلام- يحيي الأموات بـ: يا حى يا قيوم" (?).
قال الثعلبي: " قيل: أحيا أربعة أنفس: عازر، وكان صدّيقا فأرسل أخته إلى عيسى أنّ أخاك عازر يموت فأته وكان بينه وبين داره ثلاثة أيّام فأتاه هو وأصحابه فوجدوه قد مات منذ ثلاثة أيّام، فقال لأخته: انطلقي بنا إلى قبره، فانطلقت معهم إلى قبره وهو في صخرة مطبقة. فقال عيسى: اللهم ربّ السموات السّبع والأرضين السّبع، إنّك أرسلتني إلى بني إسرائيل أدعوهم إلى دينك وأخبرهم أنّي أحيي الموتى بإذنك فأحيي عازر. قال: فقام عازر وودكه تقطر، فخرج من قبره وبقي وولد له.
وابن العجوز مرّ به ميّتا على عيسى -عليه السلام- على سرير يحمل فدعا الله عيسى (عليه السلام) فجلس على سريره ونزّل عن أعناق الرجال ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله فبقي وولد له.
والبنت العاقر، قيل له: أتحييها وقد ماتت أمس؟ فدعا الله فعاشت فبقيت وولد لها.
وسام بن نوح دعا عيسى -عليه السلام- باسم الله الأعظم فخرج من قبره وقد شاب نصف رأسه. فقال: قد قامت القيامة؟ قال: لا ولكني دعوتك باسم الله الأعظم. قال: ولم يكونوا يشيبون في ذلك الزّمان. وكان سام قد عاش خمسمائة سنة وهو شاب" (?)، "فكلمه؛ ومات من ساعته، وأما الثلاثة الذين أحياهم عاشوا، وولد لهم" (?).
وهذه الأخبار بصرف النظر عن إمكان وقوع ما ورد فيها، فإنها لا تعدو أن تكون من الإسرائيليات، التي وإن لم يكن عندنا ما ينفيها، فليس عندنا ما يصدقها من خبر صحيح عن الصادق المعصوم - صلى الله عليه وسلم -. والاكتفاء بإجمال القرآن في مثل هذه المواطن، أولى من السير وراء تفصيلات أخبار، الله أعلم بصحتها ووقوعها.
قال ابن كثير: " قال كثير من العلماء: بعث الله كل نبي من الأنبياء بمعجزة تناسب أهل زمانه، فكان الغالب على زمان موسى، عليه السلام، السحر وتعظيم السحرة. فبعثه الله بمعجزة بَهَرَت الأبصار وحيرت كل سحار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام، وصاروا من الأبرار. وأما عيسى، عليه السلام، فبُعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه، إلا أن يكون مؤيدًا من الذي شرع الشريعة. فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه، والأبرص، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد؟ وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله في زمن الفصحاء والبلغاء ونحارير