قال الماتريدي: " {والحكمة}: قيل: الحكم بين الخلق، وقيل: الفقه، وقيل: الحلال والحرام، وقيل: السنة، {والحكمة}: هي الإصابة " (?).
قال ابن عثيمين: " {الحكمة}: يعني الشريعة، لأن الشريعة من الله، وكل ما كان من الله فهو متضمن للحكمة، قال تعالى لنبينا محمد-صلى الله عليه وسلم-: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] " (?).
قال السعدي: " والمراد بالحكمة معرفة أسرار الشرع، ووضع الأشياء مواضعها، فيكون ذلك امتنانا على عيسى عليه السلام بتعليمه الكتابة والعلم والحكمة، وهذا هو الكمال للإنسان في نفسه" (?).
قوله تعالى: {وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آل عمران: 49]، أي: "ويعلمه التوراة والإنجيل" (?).
قال الزجاج: " أي يعلمه ذلك وحيا وإلهاما" (?).
قال محمد بن إسحاق: " أي: كتاب لم يسمعوا به جاءهم به، وكتاب قد سمعوا به مضى ودرس علمه من بين أظهرهم فرده به عليهم" (?).
قال قتادة: " كان عيسى يقرأ التوراةَ والإنجيل" (?).
قال محمد بن جعفر بن الزبير: " يعني أخبر الله مريم - ما يريد به فقال: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة} التي كانت فيهم من عهد موسى {والإنجيل}، كتابًا آخر أحدثه إليه لم يكن عندهم علمه، إلا ذِكرُه أنه كائن من الأنبياء قبله" (?).
قال ابن كثير: " فالتوراة: هو الكتاب الذي أنزله الله على موسى بن عمران. والإنجيل: الذي أنزله الله على عيسى -عليهما السلام -، وقد كان عيسى عليه السلام، يحفظ هذا وهذا" (?).
الفوائد:
1 - بيان فضيلة العلم، لقوله: {ويعلمه الكتاب}.أي علمه الكتابة.
2 - إن عيسى –عليه السلام- كغيره من البشر لايعلم إلا ما علمه اللهـ قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 26 - 27]
3 - أن الانجيل هو الكتاب الذي أنزله تعالى على عيسى كمكمل للتوراة، كما قال تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [آل عمران: 50].
4 - أن السنة هي شرع النبي الذي جاء به من الله، فعلمه الله عزّ وجل الحكمة، لقوله: {والحكمة}.
القرآن
{وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)} [آل عمران: 49]
التفسير:
ويجعله رسولا إلى بني إسرائيل، ويقول لهم: إني قد جئتكم بعلامة من ربكم تدلُّ على أني مرسل من الله، وهي أني أصنع لكم من الطين مثل شكل الطير، فأنفخ فيه فيكون طيرًا حقيقيا بإذن الله، وأَشفي مَن وُلِد أعمى، ومَن به برص، وأُحيي من كان ميتًا بإذن الله، وأخبركم بما تأكلون وتدَّخرون في بيوتكم من طعامكم. إن في هذه