قال الماتريدي: "فإن قيل: ما معنى قوله: {ويكلم الناس في المهد وكهلا} والكهل: مما يكلم الناس؟ قيل: لأن كلامه في المهد آية، والآية لا تدوم؛ كقوله: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ} [النور: 24] الآية، وإنما يكون ذلك مرة لا أنها تشهد وتنطق أبدا، فأخبر أن تكليمه الناس في المهد - وإن كانت آية - فإنه ليس بالذي لا يدوم، ولا يكون إلا مرة.

والثاني: أمن من الله لمريم، وبشارة لها عن وفاته إلى وقت كهولته، والله أعلم" (?).

والتحقيق في هذا الإخبار من قبل الله تعالى من أمر المسيح "وإن كان الغالب من أمر الناس أنهم يتكلمون كهولا وشيوخًا احتجاجًا به على القائلين فيه من أهل الكفر بالله من النصارى الباطلَ، وأنه كان منذ أنشأه مولودًا طفلا ثم كهلا يتقلب في الأحداث، ويتغير بمرُور الأزمنة عليه والأيام، من صِغر إلى كبر، ومن حال إلى حال وأنه لو كان، كما قال الملحدون فيه، كان ذلك غيرَ جائز عليه. فكذّب بذلك ما قاله الوفدُ من أهل نجران الذين حاجُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، واحتج به عليهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلمهم أنه كان كسائر بني آدم، إلا ما خصه الله به من الكرامة التي أبانه بها منهم" (?).

قوله تعالى: {وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 46]، أي: وهو من العباد الصالحين" (?).

قال الصابوني: " أي وهو من الكاملين في التقى والصلاح" (?).

قال ابن كثير: "أي: في قوله وعمله، له علم صحيح وعمل صالح" (?).

قال عطاء: " يريد: مثل: موسى، وإسرائيل (?)، وإسحاق، وإبراهيم " (?).

قال الهرري: أي: " وحالة كونه كائنًا من العباد {الصَّالِحِينَ} ومعدودًا منهم، الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، الذين تعرف مريم سيرتهم؛ مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى، وغيرهم من الأنبياء" (?).

الفوائد:

1 - من فوائد الآية: "أنه أعلمهم أن عيسى عليه السلام يكلمهم في المهد ويعيش إلى أن يكلمهم كهلا، إذ كانت العادة أن من تكلم في المهد لم يعش" (?). قاله المهدوي.

2 - نزول عيسى قبل القيامة، وذلك لقوله: {وكهلا}، على تفسير الحسن بن الفضل (?). وقد تواترت الأخبار في نزوله -عليه السلام- قبل يوم القيامة، روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد" (?).

3 - ومنها: أنه تعالى" ختم أوصاف عيسى عليه السلام بكونه من الصالحين، بعدما وصفه بالأوصاف العظيمة؛ لأن الصلاح من أعظم المراتب وأشرف المقامات؛ لأنه لا يسمى المرء صالحًا حتى يكون مواظبًا على النهج الأصلح والطريق الأكمل في جميع أقواله وأفعاله، فلما وصفه الله تعالى بكونه وجيهًا في الدنيا والآخرة، ومن المقربين، وأنه يكلم الناس في المهد وكهلًا .. أردفه بقوله: {وَمِنَ الصَّالِحِينَ}؛ ليكمل له أعلى الدرجات وأشرف المقامات" (?).

القرآن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015