قال الماتريدي: " يحتمل: {بكلمة منه}: أن قال: " كن " - فكان من غير أب ولا سبب، وسائر البشر لم يكونوا إلا بالآباء والأسباب: من النطفة، ثم من العلقة، ثم من مضغة مخلقة على ما وصف - عز وجل - في كتابه، وكان أمر عيسى - عليه السلام - على خلاف ذلك.
ويحتمل {بكلمة منه}: ما ذكر أنه كلم الناس في المهد: (إني عبد الله آتاني الكتاب) وذلك مما خص به عيسى، وهو بكلمة من الله قال ذلك" (?).
قوله تعالى: {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [آل عمران: 45]، أي: "ذا جاه وقدر في الدنيا والآخرة" (?).
قال النحاس: " الوجية الذي له القدر والمنزلة الرفيعة يقال لفلان جاه وجاهة وقد وجه يوجه وجاهة" (?).
قوله تعالى: {وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران: 45]، أي: "ومن المقربين عندالله يوم القيامة" (?).
قال الطبري: " أنه ممن يقرِّبه الله يوم القيامة، فيسكنه في جواره ويدنيه منه" (?).
قال قتادة: ": من المقربين عند الله يوم القيامة" (?). وروي عن الربيع مثله (?).
قال الهرري: أي: " إلى الله في جنة عدن، وهذا الوصف كالتنبيه على أن عيسى سيرفع إلى السماء، وتصاحبه الملائكة" (?).
الفوائد:
1 - البشارة بالأخبار التي تسر. لقوله: {إن الله يبشرك}.
2 - بيان نسبة عيسى-عليه السلام- إلى أمه، لكي لا يقول قائل إنه نسب إلى كافله كان زكريا-عليه السلام-.
3 - من فوائد الآية وجاهة عيسى-عليه السلام- عند الله، لقوله: {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}.
القرآن
{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)} [آل عمران: 46]
التفسير:
ويكلم الناس وهو رضيع قبل أوان الكلام، ويدعوهم إلى الله وهو كبير قد اجتمعت قوته وكمل شبابه بما أوحاه الله إليه. وهذا تكليم النبوَّة والدعوة والإرشاد، وهو معدود من أهل الصلاح والفضل في قوله وعمله.
قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا} [آل عمران: 46]، "أي: يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، في حال صغره، معجزة وآية، وفي حال كهوليته حين يوحي الله إليه بذلك" (?).
قال محمد بن إسحاق: " يخبرهم بحالاته التي يتقلب فيها عمره كتقلب بني في آدم أعمارهم صغارا أو كبارا، لأن الله تعالى جده خصه بالكلام في مهده، آية لنبوته، وتعريفا للعباد مواقع قدرته" (?).
قال الزمخشري: أي: " يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء، من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة التي يستحكم فيها العقل ويستنبأ فيها الأنبياء" (?).
قال الماوردي: " والمهد: مضجع الصبي، مأخوذ من التمهيد" (?).