وأصل "الوحي": إلقاء المعنى إلى صاحبه، والوحي إلى الرسل الإلقاء بالإنزال، وإلى النحل بالإلهام، ومن بعض إلى بعض بالإشارة، كما قال تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11]. قال العجاج (?):

بِإذْنِهِ الأَرْضُ وما تَعَتَّتِ ... وَحَى لَهَا القرارَ فَاسْتَقَرَّتِ

بمعنى ألقى إليها ذلك أمرًا (?).

قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَم} [آل عمران: 44]، " أي وما كنت حاضرا لديهم حين يضربون بسهامهم القرعة، وينظرون ليعلموا أيهم يكون كافلا لمريم" (?).

قال الصابوني: " أي ما كنت عندهم إِذ يختصمون ويتنافسون على كفالة مريم حين ألقوا سهامهم للقرعة كلٌ يريدها في كنفه ورعايته" (?).

قال الزجاج: " أي هذا أيضاً مما لم تحضره [إذ يلقون أقداحهم] لينظروا أيهم تجب له كفالة مريم، وهو الضمان للقيام بأمرها" (?).

قال ابن كثير: " أي: ما كنت عندهم يا محمد فَتُخْبرهم عنهم معاينة عما جرى، بل أطلعك الله على ذلك كأنك كنت حاضرا وشاهدًا لما كان من أمرهم حين اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفلها، وذلك لرغبتهم في الأجر" (?).

أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن محمد بن إسحاق: " {وما كنت لديهم}، يقول: ما حضرت ولا عنيت" (?).

وقال قتادة: " تساهموا على مريم أيهم يكفلها فقرعهم زكريا" (?).

وروي عن مجاهد والضحاك قالا: "استهموا بأقلامهم" (?).

وقال عكرمة: " ألقوا أقلامهم في الماء فذهبت مع الجرية، وصعد قلم زكريا يغلب الجرية فكفلها زكريا" (?).

وفي تفسير قوله: {أَقْلامَهُمْ} [آل عمران: 44]، وجوه:

أحدها: أن المراد: أقلامهم التي يكتبون بها الوحي. قاله سفيان (?)، ونقله ابن جريج عن آخرين (?). ورجّحه القرطبي فقال: " وهو أجود، لأن الأزلام قد نهى الله عنها فقال" ذلكم فسق" [المائدة: 3]، إلا أنه يجوز أن يكونوا فعلوا ذلك على غير الجهة التي كانت عليها الجاهلية تفعلها" (?).

والثاني: أن أقلامهم: عصيّهم. قاله الربيع (?).

والثالث: أن أقلامهم: قداحهم وسهامهم. قاله عطاء (?)، والزجاج (?)، وأبو عبيدة (?).

قال الزجاج: "وإنما قيل للسهم: القلم لأنه يقْلَمَ أي يبْرَى، وكل ما قطعت منه شيئاً بعد شيء فقد قَلَمْتَه، من ذلك القلم الذي يكتب به، إنما سمي لأنه قلم مرة بعد مرة، ومن هذا قلمت أظافري" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015