والثالث: أنه: "ربَا لسانه في فيه حتى ملأه، ثم أطلقه الله بعد ثلاثٍ". قاله جبير بن نفير (?).
قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} [آل عمران: 41]، "أي: وأذكر الله ذكرا كثيرا" (?).
قال الطبري: أي: " فإنك لا تمنع ذكرَه، ولا يحالُ بينك وبين تسبيحه وغير ذلك" (?).
قال الماوردي: " لم يمنع من ذكر الله تعالى، وذلك هي الآية" (?).
قال محمد بن كعب: "لو كان الله رخص لأحد في ترك الذكر، لرخَّص لزكريا حيث قال: {آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا واذكر ربك كثيرًا}، أيضًا" (?).
قال مجاهد: " لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما ومضطجعا" (?).
قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ} [آل عمران: 41]، أي: و"نزّه الله عن صفات النقص بقولك سبحان الله في آخر النهار وأوله" (?).
قال الطبري: أي: " عَظِّم ربك بعبادته بالعشي" (?).
قال مجاهد: " الإبكار أوّل الفجر، والعشيّ مَيْل الشمس حتى تغيب" (?).
واخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد عن في قوله: {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ}، قال: "صلاة المكتوبة" (?).
و"العشي": من حين زوال الشمس إلى أن تغيب، ومنه قول حميد بن ثور الهلالي (?):
فَلا الظِّلَّ مِنْ بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعَهُ، ... وَلا الفَيْءَ مِنْ بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوقُ
فالفيء، إنما تبتدئ أوْبته عند زوال الشمس، وَيتناهى بمغيبها.
وأصل العشي الظلمة، ولذلك كان العشى ضعف البصر، فَسُمَّي ما بعد الزوال عِشاءً لا تصاله بالظلمة (?).
وأما "الإبكار": فمن حين طلوع الفجر إلى وقت الضحى، وأصله التعجيل، لأنه تعجيل الضياء، يقال فيه: أبكر فلان، وبكر يَبكُر بُكورًا، فمن "الإبكار"، قول عمر بن أبي ربيعة (?):
أَمِنْ آلِ نُعَمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ ... غَدَاةَ غَدٍ؟ أمْ رَائحٌ فَمُهَجِّر؟
ومن " البكور"، قول جرير (?):
أَلا بَكَرَتْ سَلْمَى فَجَدَّ بُكُورُهَا ... وَشَقَّ العَصَا بَعْدَ اجْتِمَاعٍ أَمِيرُهَا
ويقال من ذلك: بكر النخلُ يَبْكُر بُكورًا وأبكر يُبكر إبكارًا، والباكور من الفواكه: أوّلها إدراكًا (?).
الفوائد:
1 - جواز البحث عما يزيد به الإيمان، وإن كان الإيمان موجودا، والانسان مطلوب منه ان يقوي إيمانه بكل وسيلة.
2 - تمام قدرة الله سبحانه وتعالى بخوارق العادات، فإن كون زكريا –عليه السلام- لايكلم الناس إلا رمزا، لكن في باب التسبيح ينطلق لسانه.