والثاني: أنها لم تطعم ثدياً قط حتى تكلمت في المهد، وإنما كان يأتيها رزقها من الجنة، وهذا قول الحسن (?).
والثالث: أن المعنى: وجد عندها "عرما أو صحفا فيها علم. قاله مجاهد (?).
واختلف في السبب الذي يأتيها هذا الرزق لأجله على قولين:
أحدهما: أنه كان يأتيها بدعوة زكريا لها.
والثاني: أنه كان ذلك يأتيها لنبوة المسيح عليه السلام.
قوله تعالى: {قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} [آل عمران: 37]، أي: قال يا مريم "من أين لك هذا؟ " (?).
قال الضحاك: " يقول: من أتاك بهذا؟ " (?).
قال أبو مالك قوله: {أنى}، يعني: من أين؟ " (?).
قال البيضاوي: أي: " من أين لك هذا الرزق الآتي في غير أوانه والأبواب مغلقة عليك، وهو دليل جواز الكرامة للأولياء. جعل ذلك معجزة زكريا يدفعه اشتباه الأمر عليه" (?).
قال الزجاج: " وإِنما سأل زكريا عن الرزق لأنه خاف أن يأتيها - من غير جهته فتبين عنده أنه من عند اللَّه، وذلك من آيات مريم، قال اللَّه تبارك وتعالى: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 91] فمن آياتها أنها أول امرأة قُبلت في نذر في المتعبد، ومنها أن اللَّه أنشأ فيها عيسى - عليه السلام - من كلمة ألقاها إليها، ومنها أن اللَّه عزَّ وجلَّ - غذاها برزق من عنده لم يجْرِهِ على يد عبد من عبيده، وقد قيل في التفسير أنَّها لم تُلْقَمْ ثدياً قط" (?).
قوله تعالى: {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 37]، " أى: قالت له: إن هذا الرزق من عند الله- تعالى-" (?).
قال البغوي"أي: من قطف الجنة" (?).
قال أبو السعود: أي: " فلا تعجبْ ولا تستبعد" (?).
قال ابن عباس: " فإنه وجد عندها الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد، وكان زكريا يقول: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" (?).
وفي قوله تعالى: {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ}، وجهان (?):
أحدهما: أن الله تعالى كان يأتيها بالرزق.
والثاني: أن بعض الصالحين من عباده سخره الله تعالى لها لطفاً منه بها حتى يأتيها رزقها.
قال الماوردي: "والأول أشبه" (?).
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37]، أي: إن الله يرزق من يشاء "رزقاً واسعاً بغير جهد ولا تعب" (?).
قال الزجاج: " أي بغير تقتير" (?)."