قال السدي: " كان زكريا أفضلهم يومئذ، وكان نبيهم، وكانت أخت مريم تحته، فلما أتوا بها اقترعوا عليها، وقال لهم زكريا: أنا أحقكم بها تحتي أختها، فأبوا فخرجوا إلى نهر الأردن، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها، أيهم يقوم قلمه فيكفلها، فجرت الأقلام وقام قلم زكريا على هيئته كأنه في طين، وأخذ الجارية فذلك قوله تعالى: : {وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا} " (?).
وفي قوله تعالى: {وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37]، قراءتان (?):
إحداهما: {وكفلها}، مفتوحة الفاء خفيفة، و {زكرياء}، رفع ممدود، قرأ بها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر.
والثانية: {وكفّلها} مشددة الفاء، و {زكريآء}، نصبا، قرأ بها عاصم في رواية أبي بكر، وكان يمد {زكرياء} في كل القرآن.
قوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} [آل عمران: 37]، "أي كلما دخل عليها زكريا حجرتها ومكان عبادتها" (?).
قال السعدي: "وهو [أي المحراب] محل العبادة، وفيه إشارة إلى كثرة صلاتها وملازمتها لمحرابها" (?).
قال الطبري: " وأما " المحراب "، فهو مقدم كل مجلس ومصلًّى، وهو سيد المجالس وأشرفُها وأكرمُها، وكذلك هو من المساجد، ومنه قول عديّ بن زيد (?):
كَدُمَى العَاجِ فِي المَحَارِيبِ أَوْ ... كالبَيْضِ فِي الرَّوْضِ زَهْرُهُ مُسْتَنِيرُ
و" المحاريب " جمع " محراب "، وقد يجمع على " محارب " (?).
قوله تعالى: {وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً} [آل عمران: 37]، أي: "وجد عندها فاكهة وطعاماً" (?).
قال الخطيب: " أي رزقا متجددا، ما يراه اليوم غير ما رآه أمس، وغير ما سيراه غدا" (?).
قال ابن عباس: " وجد عندها عنبا في مكتل في غير حينه" (?).
وقال عكرمة: " فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء" (?).
وقال مجاهد: " الرمان والعنب في غير حينه" (?). وروي عن سعيد بن جبير وجابر بن زيد، والضحاك وإبراهيم النخعي، وقتادة والربيع بن أنس والسدي، وعطية العوفي نحو ذلك (?).
وفي قوله تعالى: {وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً} [آل عمران: 37]، ثلاثة اوجه:
أحدهما: أن الرزق الذي أتاها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، وهذا قول ابن عباس (?)، ومجاهد (?)، والضحاك (?)، وقتادة (?)، والسدي (?)، وسعيد (?)، وإبراهيم (?)، والربيع (?).