قال السدي: " أن امرأة عمران ظنتّ أن ما في بطنها غلامٌ، فوهبته لله. فلما وضعت إذا هي جارية، فقالت تعتذر إلى الله: {رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى}، تقول: إنما يحرّر الغلمان" (?).
قوله تعالى: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} [آل عمران: 36]، " أي: وإني "أسميت هذه الأنثى مريم" (?).
قال الثعلبي: " وهي بلغتهم: الخادمة والعبادة، وكانت أجمل النساء في وقتها وأفضلها" (?).
قال ابن كثير: " فيه دلالة على جواز التسمية يوم الولادة كما هو الظاهر من السياق؛ لأنه شرع من قبلنا " (?).
قوله تعالى: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36]، أي: وإني "أُجيرها بحفظك وأولادها من شر الشيطان الرجيم" (?).
عن أبي مالك قوله: {الرجيم}، يعني: ملعون" (?).
قال ابن كثير: " أي: عَوَّذتها بالله، عز وجل، من شر الشيطان، وعوذت ذريتها، وهو ولدها عيسى، عليه السلام" (?).
عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نَفْس مولود يُولد إلا والشيطان ينال منه تلك الطعنة، ولها يَستهلّ الصبي، إلا ما كان من مريم ابنة عمران، فإنها لما وضعتها قالت: {رب إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}، فضُرب دُونها حجاب، فطعَن فيه" (?).وفي رواية أخرى عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد من بني آدم يمسُّه الشيطان بإصبعه، إلا مريم وابنها" (?).
وعن ابن عباس، قال: "ما ولد مولود إلا وقد استهلّ، غير المسيح ابن مريم، لم يسلَّط عليه الشيطان ولم يَنْهَزْه" (?).
وقال وهب بن منبه: "لما وُلد عيسى أتت الشياطينُ إبليس، فقالوا: أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها! فقال: هذا في حادث حدث! وقال: مكانَكم! فطارَ حتى جاء خَافقي الأرض، فلم يجد شيئًا، ثم جاء البحار فلم يجد شيئًا، ثم طار أيضًا فوجد عيسى قد ولد عند مِذْوَد حمار، وإذا الملائكة قد حفَّت حوله، فرجع إليهم فقال: إن نبيًّا قد ولد البارحة، ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا أنا بحضرتها، إلا هذه! فَأيِسوا أن تُعبد الأصنام بعد هذه الليلة، ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفَّة والعجَلة" (?).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: ان الأم تتكلف الطفل، لقوله: {وضتها}، ومنه قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف: 15].
2 - ومنها: عظم حق الأم على ولدها.
3 - ومنها: اعتذار الانسان إلى ربه إذا وقع الأمر خلاف ما أراد.
4 - التوسل إلى الله تعالى بربوبيته.
5 - أنه من تمام البلاغة الاحتراز عن كل موهم لأمر خطأ، سواء كان في المقال أو في الفعل، لقوله: {والله أعلم بما وضعت} على قراءة الضم.