وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، قال النحاس بعد ذكره لأغلبها: "وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، أي: لا تأخذ عهدنا بما لا نقوم به إلا بثقل، أي: لا تحمل علينا إثم العهد كما قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81]، وما أمروا به فهو بمنزلة ما أخذ عهدهم به" (?).
وقال ابن عطية بعد ذكره لهذه الأقوال "والآصرة في اللغة: الأمر الرابط من ذمام أو قرابة أو عهد ونحوه، فهذه العبارات كلها تنحو نحوه" (?).
قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]، " أي لا تحمّلنا ما لا قدرة لنا عليه من التكاليف والبلاء" (?).
قال ابن كثير: " أي: من التكليف والمصائب والبلاء، لا تبتلينا بما لا قبل لنا به" (?).
قال الطبري: "وقولوا أيضًا: ربنا لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القيام به، لثِقَل حمله علينا" (?).
قال القاسمي: " أي من بليات الدنيا والآخرة" (?).
قال ابن عثيمين: "أي لا قدرة لنا على تحمله من الأمور الشرعية، والكونية" (?).
قال القرطبي: أي" لا تثقلنا من العمل ما لا نطيق فتعذبنا، ويقال: ما تشق علينا، لأنهم لو أمروا بخمسين صلاة لكانوا يطيقون ذلك ولكنه يشق عليهم ولا يطيقون الإدامة عليه" (?).
قال الزجاج: يعني " لا تحمل علينا أمرا يثقل كما حملته على الذين من قبلنا نحو ما مر به بنو إسرائيل من قتل أنفسهم، أي لا تمتحنا بما يثقل. [أيضا] نحو قوله: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33]، والمعنى لا تمتحنا بمحنة تثقل ... فإن قال قائل - فهل يجوز أن يحمل الله أحدا ما لا يطيق؟ قيل له: إد أردت ما ليس في قدرته ألبتة فهذا محال، وإن أردت ما يثقل ويخسف فلله عز وجل أن يفعل من ذلك ما أحب، لأن الذي كلفه بني إسرائيل من قتل أنفسهم [يثقل]، وهذا كقول القائل: ما أطيق كلام فلان، فليس المعنى ليس في قدرتي أن كلمه ولكن معناه في اللغة أنه يثقل علي" (?).
روي "عن أبي هريرة: {ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به}، قال: نعم" (?). قال ابن أبي حاتم: "وروى ابن عباس والضحاك ومحمد بن كعب والسدي، قال: يقول الله عز وجل: قد فعلت وقال سعيد بن جبير: لا أحمله عليكم" (?).
وقد تعددت عبارات أهل التفسير في المراد بقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]، على وجوه:
أحدها: أنه يعني: " لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق". قاله الضحاك (?)، وروي عن ابن زيد (?)، والسدي (?)، ومكحول (?)، وقتادة (?)، نحو ذلك.