فإن قال قائل: إذا كان البنك بنكاً غير إسلامي، ولو تركناه لهم صرفوه إلى الكنائس، وإلى السلاح الذي يقاتَل به المسلمون، أو أبقوه عندهم، ونما به رباهم؛ فنقول: إننا مخاطبون بشيء، فالواجب علينا أن نقوم بما خوطبنا به؛ والنتائج ليست إلينا؛ ثم إننا نقول: هذه الفائدة التي يسمونها فائدة هل هي قد دخلت في أموالنا حتى نقول: إننا أخرجنا من أموالنا ما يستعين به أعداؤنا على كفرهم، أو قتالنا؟
والجواب: أن الأمر ليس كذلك؛ فإن هذه الزيادة التي يسمونها فائدة ليست نماءَ أموالنا؛ فلم تدخل في ملكنا؛ ثم إننا نقول له: إذا أخذته فأين تصرفه؟ قال: أصرفه في صدقة؛ في إصلاح طرق؛ في بناء مساجد تخلصاً منه، أو تقرباً به؛ نقول له: إن فعلت ذلك تقرباً لم يقبل منك، ولم تسلم من إثمه؛ لأنك صرفته في هذه الحال على أنه ملكك؛ وإذا صرفته على أنه ملكك لم يقبل منك؛ لأنه صدقة من مال خبيث؛ ومن اكتسب مالاً خبيثاً فتصدق به لم يقبل منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً» (?)؛ وإن أخرجته تخلصاً منه فأي فائدة من أن تلطخ مالك بالخبيث، ثم تحاول التخلص منه؛ ثم نقول أيضاً: هل كل إنسان يضمن من نفسه أن يخرج هذا تخلصاً منه؟ ! فربما إذا رأى الزيادة الكبيرة تغلبه نفسه، ولا يخرجها؛ أيضاً إذا أخذت الربا، وقال الناس: إن فلاناً أخذ هذه الأموال التي يسمونها الفائدة؛ أفلا تخشى أن يقتدي الناس بك؟ ! لأنه ليس كل إنسان يعلم أنك سوف تخرج هذا المال، وتتخلص منه.
ولهذا أرى أنه لا يجوز أخذ شيء من الربا مطلقاً؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا}؛ ولم يوجه العباد إلى شيء آخر.
8 - ومن فوائد الآية: أن ممارسة الربا تنافي الإيمان؛ لقوله تعالى: {إن كنتم مؤمنين}؛ ولكن هل يُخرج الإنسانَ من الإيمان إلى الكفر؟ مذهب الخوارج أنه يخرجه من الإيمان إلى الكفر؛ فهو عند الخوارج كافر، كفرعون، وهامان، وقارون؛ لأنه فعل كبيرة من كبائر الذنوب؛ ومذهب أهل السنة والجماعة أنه مؤمن ناقص الإيمان؛ لكنه يُخشى عليه من الكفر لا سيما آكل الربا؛ لأنه غذي بحرام؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام: «فأنى يستجاب لذلك» (?) - نسأل الله العافية.
9 - ومن فوائد الآية: رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، حيث حرم عليهم ما يتضمن الظلم؛ وأكد هذا التحريم، وأنزل القرآن فيه بلفظ يحمل على ترك هذا المحرم؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا}، وقوله تعالى: {اتقوا الله}، وقوله تعالى: {إن كنتم مؤمنين}؛ والحكم: {ذروا ما بقي من الربا}.
القرآن
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279]
التفسير:
فإن لم ترتدعوا عما نهاكم الله عنه فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله، وإن رجعتم إلى ربكم وتركتم أَكْلَ الربا فلكم أَخْذُ ما لكم من ديون دون زيادة، لا تَظْلمون أحدًا بأخذ ما زاد على رؤوس أموالكم، ولا يظلمكم أحد بنقص ما أقرضتم.
قال ابن كثير: " وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار" (?).
قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 279]، يعني: "فإن لم تتركوا ما بقي من ربا" (?).