واحتجوا بإجماعهم على قوله: {ولم يمسسني بشر} [آل عمران: 47]، فجعل المسّ من جانب واحد وهو الرجل، ولأن أكثر الألفاظ في هذا المعنى جاء على المعنى بفعل دون فاعل كقوله: {لم يطمثهن} [الرحمن: 56] وكقوله: {فانكحوهن بإذن أهلهن} [النساء: 25] وأيضا المراد من هذا المس: الغشيان، وذلك فعل الرجل، ويدل في الآية الثانية على المراد من هذا المس الغشيان، وأما ما جاء في الظهار من قوله تعالى: {من قبل أن يتماسا} فالمراد به المماسة التي هي غير الجماع وهي حرام في الظهار، وبعض من قرأ: {تماسوهن} قال: إنه بمعنى (تمسوهن)، لأن فاعل قد يراد به فعل، كقوله: طارقت النعل، وعاقبت اللص، وهو كثير (?).
قلت: إن كلا القولين بمعنًى واحد؛ والمراد به الجماع؛ لكن جرت عادة العرب - والقرآن بلسان عربي مبين - أن يُكَنوا عما يستحيا من ذكره صريحاً بما يدل عليه؛ ولكل من القراءتين وجه كما سبق. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، أي: " أو توجبوا لهن صداقا واجبا" (?).
قال ابن عباس: "الفريضة: الصداق" (?).
قال الدكتور محمد الحجازي: أي: "وقبل أن تحددوا لهن صداقا" (?).
قال المراغي: " إلا إذا سميتم لهن مهرا" (?).
قال الزمخشري: " إلا أن تفرضوا لهن فريضة، أو حتى تفرضوا، وفرض الفريضة تسمية المهر" (?).
قال السعدي: " وفرض المهر، وإن كان في ذلك كسر لها، فإنه ينجبر بالمتعة" (?).
قال النسفي: "وذلك أن المطلقة غير الموطوءة لها نصف المسمى إن سمى لها مهر، وإن لم يسم لها مهر فليس لها نصف مهر المثل بل تجب المتعة" (?).
وأصل (الفرض) في اللغة: الواجب، كما قال الشاعر (?):
كَانَتْ فَرِيضَةُ مَا تَقُولُ، كَمَا ... كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيضَةَ الرَّجْمِ
يعني: كما كان الرجم الواجب من حد الزنا. ولذلك قيل: " فرض السلطان لفلان ألفين، يعني بذلك: أوجب له ذلك، ورزقه من الديوان (?).
وكما يقال: فرض السلطان لفلان في الفيء، يعني أوجب له ذلك (?).
وذكر العلماء في معنى {أو} في قوله تعالى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، وجوها (?):
أحدها: أنها بمعنى (الواو)، أي: ولم تفرضوا لهن فريضة.
قال الراغب: "و {أو} فى نحو هذا الموضع يفيد ما يفيد (الواو) على وجه، وذاك أنه إذا قيل: " افعل كذا إن جاءك زيد أو عمرو يقتضي أن يفعله إن جاء أحدهما، ولا شك أنه يحتاج أن يفعله إذا جاءا جميعاً، لأنه