ثانيا: عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها توفي عنها وهي حبلى فخطبها أبو السنابل بن بعكك فأبت أن تنكحه فقال: والله ما يصلح أن تنكحيه حتى تعتدي آخر الأجلين فمكثت قريباً من عشر ليال ثم جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: انكحي " رواه الجماعة (?).

وروايات هذا الحديث متعددة كلها فيها إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لسبيعة في النكاح إذا وضعت حملها ورده لما قال أبو السنابل رضي الله عنه. وهذا الحديث متأخر عن آية البقرة فإن القصة إنما وقعت في حجة الوداع فإن زوجها الذي توفي عنها هو سعد بن خولة رضي الله عنها وقد توفي في حجة الوداع كما في الصحيحين ولفظه: فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل. فتبين بهذا أن عموم آية البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} مخصوص بآية الطلاق: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.

قال القرطبي رحمه الله: " فبين الحديث – أي حديث سبيعة الأسلمية – أن قوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} محمول على عمومه في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن، وأن عدة الوفاة مختصة بالحائل من الصنفين" (?).

وقال ابن عبدالبر رحمه الله: "لما كان عموم الآيتين معارضاً – أعني قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} وقوله {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُن} - لم يكن بد من بيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمراد الله منهما على ما أمره الله عز وجل بقوله {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مراد الله من ذلك بما أفتى به سبيعة الأسلمية، فكل ما خالف لك فلا معنى له من جهة الحجة وبالله التوفيق (?).

وقال البغوي رحمه الله: " وعامة الفقهاء خصوا الآية بخبر سبيعة (?).

وعلل الجمهور لهذا القول بتعليلين، قال ابن قدامة رحمه الله: " ويحقق أن العدة إنما شرعت لمعرفة براءتها من الحمل، ووضعه أدل الأشياء على البراءة منه فوجب أن تنقضي به العدة ولأنه لا خلاف في بقاء العدة ببقاء الحمل فوجب أن تنقضي به كما في حق المطلقة (?).

القول الثاني: أن الحامل تعتد بأطول الأجلين، روي هذا عن علي وابن عباس رضي الله عنهم (?)، واختاره ابن سحنون رحمه الله (?) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015