قال القرطبي: " في حال الرضاع لأنه اشتغال في مصالح الزوج، فصارت كما لو سافرت لحاجة الزوج بإذنه فإن النفقة لا تسقط" (?).
قال الطبري: " ويعني بـ (الرزق): ما يقوتهن من طعام، وما لا بد لهن من غذاء ومطعم، و {كسوتهن}، ويعني: بـ (الكسوة): الملبس" (?).
قال ابن عاشور: " والمراد بالرزق والكسوة هنا ما تأخذه المرضع أجرا عن إرضاعها، من طعام ولباس لأنهم كانوا يجعلون للمراضع كسوة ونفقة، وكذلك غالب إجاراتهم إذ لم يكن أكثر قبائل العرب أهل ذهب وفضة، بل كانوا يتعاملون بالأشياء، وكان الأجراء لا يرغبون في الدرهم والدينار، وإنما يطلبون كفاية ضروراتهم، وهي الطعام والكسوة، ولذلك أحال الله تقديرهما على المعروف عندهم من مراتب الناس وسعتهم، وعقبه بقوله: لا تكلف نفس إلا وسعها" (?).
ثم ذكر أهل العلم في قوله: {وَعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] وجهين (?):
أحدهما: أن ذلك في الأم المطلقة إذا أرضعت ولدها فلها رزقها من الغذاء، وكسوتها من اللباس، ومعنى بالمعروف أجرة المثل، وهذا قول الضحاك (?).
والثاني: أنه يعني به الأم ذات النكاح، لها نفقتها وكسوتها بالمعروف في مثلها، على مثله من يسار، وإعسار.
قوله تعالى: {بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، أي "بما تعارفه أمثالهم وما لا يجحف بالأب" (?).
قال القاسمي: " وهو قدر الميسرة كما فسّره قوله تعالى: {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها}، يعني طاقتها" (?).
قال الضحاك: "إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع له ولدا، فتراضيا على أن ترضع حولين كاملين، فعلى الوالد رزق المرضع والكسوة بالمعروف على قدر الميسرة، لا نكلف نفسا إلا وسعها" (?).
قال الطبري: " فأمر كلا أن ينفق على من لزمته نفقته من زوجته وولده على قدر ميسرته، كما قال تعالى ذكره: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [سورة الطلاق: 7] " (?).
قوله تعالى: {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 233]، " أي: لا تلزم نفس إلا بما تتسع له قدرتها بحيث لا ينتهى إلى الضيق" (?).
قال الطبري: "لا تحمل نفس من الأمور إلا ما لا يضيق عليها، ولا يتعذر عليها وجوده إذا أرادت" (?).
قال سعيد بن جبير: "يقول لا يكلف الله نفسا في نفقة المراضع إلا ما أطاقت" (?). وروي عن أبي مالك وقتادة، ومقاتل بن حيان والثوري، نحو ذلك (?).