والقول الأول هو الراجح -والله أعلم-، فالمراد التوابين من الذنوب والمتطهرون من الجنابة والأحداث، لأنه الأظهر بسياق الآية.
قال ابن عثيمين: " وجمع بين ذلك {التطهر}، وبين التوبة؛ لأن (التوبة) تطهير الباطن؛ و (التطهر) تطهير الظاهر" (?).
قال الراغب: " ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} تنبيها أن من كان منه شيء من ذلك، فحق عليه أن يتوب ويتطهر من بعد، والتطهر عام في استعمال الماء، وتطهر القلوب من الذنوب والتوبة اجتناب الذنب والتطهر عمل الصالحات، وجعل التوبة مقدمة على التطهير تنبيهاً أن اجتناب القاذورات مدرجة إلى فعل الخيرات، وعظم أمر المتطهرين حيث جعلهم محبوبيه، وروي خريم بن ساعدة قال: يا رسول الله: من الذين قال الله - عز وجل - فيهم {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}؟ فقال عليه السلام: " نعم الرجل منهم خريم " (?)، ويدل على إرادة هذا المعنى بالتطهر قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} " (?).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: تتابع أسئلة الصحابة رضي الله عنهم على رسول الله --صلى الله عليه وسلم-.
2 - ومنها: حرص الصحابة على العلم، حيث يسألون رسول الله --صلى الله عليه وسلم- عن مثل هذه الأمور.
3 - ومنها: أنه لا ينبغي أن يستحيي الإنسان من سؤال العلم؛ لقوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض}.
4 - ومنها: أن الله عزّ وجلّ قد يتولى الإجابة فيما سئل عنه رسول الله --صلى الله عليه وسلم-، حيث قال تعالى: {قل هو أذًى}.
5 - ومنها: أن المحيض - وهو الحيض - أذًى؛ لأنه قذر، ونجس؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله قليله، وكثيره؛ فقد كان النساء يصيب ثيابهن الحيض، فيسألن النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيأمرهن بحته، ثم قرصه بالماء، ثم نضحه (?) - أي غسله -.
6 - ومنها: تعليل الأحكام الشرعية؛ لقوله تعالى: {هو أذًى فاعتزلوا}.
ويتفرع على هذه الفائدة: إثبات الحكمة فيما شرعه الله عزّ وجلّ؛ لكن من الحكمة ما هو معلوم للخلق؛ ومنها ما ليس بمعلوم؛ لكننا نعلم أن جميع أحكام الله الشرعية والقدرية مقرونة بالحكمة.
7 - ومن فوائد الآية: تقديم علة الحكم عليه حتى تتهيأ النفوس لقبول الحكم، والطمأنينة إليه؛ ويكون قبوله فطرياً؛ لقوله تعالى: {قل هو أذًى فاعتزلوا النساء في المحيض}؛ وقد يتقدم الحكم على العلة - وهو الأكثر كما في قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: 145]، وكما في الحديث الصحيح: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه» (?).