قال مالك: " كان عامر بن عبد الله بن الزبير يواصل ليلةَ ستَّ عشرة وليلة سبعَ عشرة من رمضان لا يفطر بينهما، فلقيته فقلت له: يا أبا الحارث ماذا تجدُه يقوِّيك في وصَالك؟ قال: السمْن أشرُبه أجده يُبلّ عروقي، فأما الماء فإنه يخرج من جسدي" (?).
قال الطبري: " قيل: وجه من فعل ذلك إن شاء الله تعالى على طلب الخموصة (?) لنفسه والقوة لا على طلب البرّ لله بفعله. وفعلهم ذلك نظيرُ ما كان عمر بن الخطاب يأمرهم به بقوله: " اخشَوشِنوا (?) وَتمعْددوا، وانزوا على الخيل نزوًا، واقطعوا الرُّكُب وامشوا حُفاة" "، يأمرهم في ذلك بالتخشن في عيشهم، لئلا يتنعموا فيركنوا إلى خَفْض العيش ويميلوا إلى الدعة فيجبُنوا ويحتموا عن أعدائهم" (?).
ثم قال: "وقد رَغِب - لمن واصل - عن الوصال كثيرٌ من أهل الفضل، فعن أبي إسحاق: أنّ ابن أبي نُعم كان يواصل من الأيام حتى لا يستطيع أن يقومَ، فقال عمرو بن ميمون: لو أدرَك هذا أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم رَجمُوه" (?) " (?).
وعن ابن عمر: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهى عن الوصال، قالوا: إنك تُواصلُ يا رَسول الله! قال: إني لست كأحدٍ منكم، إني أبيت أُطعَم وأسقَى" (?).
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الإذنُ بالوصال من السحر إلى السَّحر (?)، فعن أبي سعيد الخدري: "أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تواصلوا، فأيُّكم أراد أن يُواصل فليواصل حتى السَّحر. قالوا: يا رسول الله، إنك تواصل! قال: إني لست كهيئتكم، إنّي أبيت لي مُطعم يُطعمني، وَساقٍ يسقيني" (?).
وعن أمِّ وَلد حاطب بن أبي بَلتعة: "أنها مرّت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتسحَّر، فدعاها إلى الطعام فقالت: إنّي صَائمة، قال: وكيف تصومين؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أين أنت من وصال آل محمد صلى الله عليه وسلم من السَّحر إلى السَّحر" (?).
قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، "أي: و"لا تجامعوا نساءكم، في حال عُكوفكم في المساجد " (?).
قال المراغي: " أي ولا تباشروا النساء حال عكوفكم فى المساجد للعبادة، فإن المباشرة نهطل الاعتكاف ولو ليلا كما تبطل الصيام نهارا" (?).