فَلَمَّا أضَاءت لَنَا سُدْفَةٌ ... وَلاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا
وأما الأخبارُ التي رويتْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرب أو تسحَّر، ثم خرج إلى الصلاة، فإنه غير دافع صحةَ ما قلنا في ذلك؛ لأنه غير مستنكر أن يكون صلى الله عليه وسلم شَرب قبل الفجر، ثم خرج إلى الصلاة، إذ كانت الصلاةُ - صلاة الفجر - هي على عهده كانت تُصلى بعد ما يطلع الفجر ويتبيَّن طلوعه ويؤذَّن لها قبل طلوعه.
وأما الخبر الذي رُوي عن حذيفة: " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسحر وأنا أرى مَواقعَ النَّبل "، فإنه قد استُثبتَ فيه فقيل له: أبعد الصبح؟ فلم يجب في ذلك بأنه كان بعد الصبح، ولكنه قال: " هو الصبح " (?)، وذلك من قوله يُحتمل أن يكون معناهُ: هو الصبح لقربه منه، وإن لم يكن هو بعينه، كما تقول العرب: " هذا فلان " شبها، وهي تشير إلى غير الذي سمَّته، فتقول: " هو هو " تشبيها منها له به، فكذلك قول حذيفة: " هو الصبح "، معناه: هو الصبح شبها به وقربا منه.
وفي قوله تعالى ذكره: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيضُ من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيامَ إلى الليل}، أوضحُ الدلالة على خطأ قول من قال: حلالٌ الأكلُ والشربُ لمن أراد الصوم إلى طلوع الشمس؛ لأن الخيط الأبيض من الفجر يتبين عند ابتداء طلوع أوائل الفجر، وقد جعل الله تعالى ذكره ذلك حدًّا لمن لزَمه الصوم في الوقت الذي أباح إليه الأكل والشرب والمباشرة" (?).
قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ} [البقرة: 187]، " أي ثم أمسكوا عن الطعام والشراب والنكاح إِلى غروب الشمس" (?).
قالت عائشة: " - يعني: أنها كرهت الوصال" (?).
قال أبو العالية: " قال: قال الله: {ثم أتموا الصيام إلى الليل}، فإذا جاء الليل فهو مفطر، فإن شاء أكل، وإن شاء لم يأكل" (?).
قال ابن عثيمين: " أي: أكملوا الصيام على وجه التمام؛ إلى دخول الليل؛ وذلك بغروب الشمس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا - وأدبر النهار من هاهنا - وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» (?)؛ وبمجرد غروب الشمس - أي غروب قرصها - يكون الإفطار؛ وليس بشرط أن تزول الحمرة، كما يظن بعض العوام؛ إذاً الصوم محدود: من، وإلى؛ فلا يزاد فيه، ولا ينقص" (?).
قال النسفي: "أي الكف عن هذه الأشياء دليل على جواز النية بالنهار في صوم رمضان، وعلى جواز تأخير الغسل إلى الفجر، وعلى نفي الوصال، وعلى وجوب الكفارة في الأكل والشرب، وعلى أن الجنابة لا تنافي الصوم" (?).