من العنت والمشقة الشديدة ما لا يكون في وقت النهار، لإمكان الاستعانة عليه بالبعد عن المرأة (?). وممّا يدلّ على قلة صبر الرّجل على المرأة تقديم قوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ} على قوله: {وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}، ففيه ظهور لاحتياج الرّجل إلى المرأة فضلاً عن أنّ الرّجل هو البادئ لطلب ذلك الفعل، ولا تكاد المرأة تطلب ذلك الفعل لغلبة الحياء عليها (?).
وثمة سبب آخر لذلك التقديم ينبغي الالتفات إليه، وهو أنّ الخطاب في أول الآية موجّه للرجل فناسب ذلك تقديم {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ}. والله أعلم.
وذكر الرازي في تشبيه الزوجين باللباس وجوها (?):
أحدها: أنه لما كان الرجل والمرأة يعتنقان، فيضم كل واحد منهما جسمه إلى جسم صاحبه حتى يصير كل واحد منهما لصاحبه كالثوب الذي يلبسه، سمي كل واحد منهما لباسا.
وقال الربيع بن أنس: هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن (?).
قال الطبري: " ورجح هذا التصحيح عندي: متجردين في فراش واحد، بمنزلة ما يلبسه على جَسده من ثيابه، فقيل لكل واحد منهما: هو (لباس) لصاحبه" (?).
وثانيها: إنما سمي الزوجان لباسا ليستر كل واحد منهما صاحبه عما لا يحل، كما جاء في الخبر "من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه" (?).
قال الطبراني: "يقال: لِمَا سترَ الشيءَ وواراهُ لباساً، فجازَ أن يكون كلُّ واحد منهما لصاحبه سِتراً عما لا يحل، كما روي في الخبر " مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدْ أحْرَزَ نِصْفَ دِيْنِهِ " (?).
وثالثها: أنه تعالى جعلها لباسا للرجل، من حيث إنه يخصها بنفسه، كما يخص لباسه بنفسه، ويراها أهلا لأن يلاقي كل بدنه كل بدنها كما يعمله في اللباس.
ورابعها: يحتمل أن يكون المراد ستره بها عن جميع المفاسد التي تقع في البيت، لو لم تكن المرأة حاضرة، كما يستتر الإنسان بلباسه عن الحر والبرد وكثير من المضار.
وخامسها: ذكر الأصم أن المراد أن كل واحد منهما كان كاللباس الساتر للآخر في ذلك المحظور الذي يفعلونه، وهذا ضعيف لأنه تعالى أورد هذا الوصف على طريق الإنعام علينا، فكيف يحمل على التستر بهن في المحظور.
وسادسها: أن يكون جَعل كلَّ واحد منهما لصاحبه (لباسًا)، لأنه سَكنٌ له، كما قال جل ثناؤه: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [سورة الفرقان: 47]، يعني بذلك سكنًا تسكنون فيه، وكذلك زوجة الرجل سَكنه يسكن إليها، كما قال تعالى ذكره: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [سورة الأعراف: 189].
فيكون كل واحد منهما (لباسًا) لصاحبه، بمعنى سكونه إليه. وبذلك كان مجاهد يقول: " {هن لباس لكم وأنتم لباسٌ لهن}، يقول: سكنٌ لهن" (?).