رَمَوْهَا بِأَثْوَابٍ خِفَافٍ، فَلا تَرَى ... لَهَا شَبَهًا إلا النَّعَامَ المُنَفَّرَا

يعني: رموها بأنفسهم فركبوها. وكما قال الهذليّ (?):

تَبَرَّأُ مِنْ دَمِ القَتيلِ وَوَتْرِهِ ... وَقَدْ عَلِقَتْ دَمَ القَتِيلِ إزَارُهَا

يعني ب " إزارها "، نفسها (?).

والثاني: أنهم لباس يعني السكن لقوله تعالى: {وجعلنا الليل لباساً} [النبأ: 10] أي سكناً، وكما قال تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [سورة الأعراف: 189]، وهذا قول ابن عباس (?)، ومجاهد (?)، وقتادة (?)، والسدي (?).

و(اللباس) في اللغة تعني: "ما واريْتَ به جسَدَكَ" (?). وهي مصدر قولك لبستُ الثوبَ ألبسُ، واللباس ما يُلبس، وكذلك الملبس، واللِبس بالكسر مثله، ولباس الرّجل: امرأته، وزوجها: لباسها (?).

وقد لاحظ ابن فارس دلالة المخالطة، والمداخلة في مادة (لبس) إذْ قال: "اللام والباء والسين أصل صحيح واحد، يدلّ على مخالطة ومداخلة، من ذلك لبستُ الثوبَ ألبسهُ، وهو الأصل، ومنه تتفرع الفروع .... ومن الباب: اللباس، وهي امرأة الرّجل، والزّوج لباسها" (?).

وهذه الدلالة هي التي فسر بها العلماء قوله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، إذْ المعنى: تلابسونهن وتخالطونهن بالمساكنة، وقيل أيضا: إنّما جعل كل واحد منهما لباساً للآخر لاعتناقهما، واشتمال كل واحد منهما على صاحبه في عناقه، شبه باللباس المشتمل عليه؛ أو لأنّ كل واحد منهما يستر على صاحبه، ويمنعه من الفجور (?).

وهذه الجملة مستأنفة مبينة لسبب الإحلال، وهو صعوبة الصبر على النّساء في هذا الوقت، فلو فُرض الصوم على الناس في الليل وهو وقت الاضطجاع لكان من الصعوبة الإمساك عن التقرب من النّساء، وفيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015