واتفق علماء المذاهب الأربعة أن الصائم يفطر إذا زاد مرضه بالصيام وتأخر شفاؤه، وتعرض لمشقة شديدة أو خطر على حياته (?).
النوع الثاني من المرض: المريض العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً لا يُرجى زواله، كالكبير الهرم، والمريض الذي لا يُرجى برؤه، وذلك بإخبار الطبيب المسلم الثقة الحاذق، فحينئذٍ لا يجب على هذا العاجز الصيام؛ لأنه لا يستطيعه؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، ولقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: "وأجمعوا على أن للشيخ الكبير والعجوز العاجِزَيْن عن الصوم أن يفطرا" (?)، لكن يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم مسكيناً؛ لأن الله تعالى جعل الإطعام معادلاً للصيام حين كان التخيير بينهما أوَّل ما فرض الصيام، فتعيَّن أن يكون بدلاً من الصيام عند العجز عنه؛ لأنه معادل له (?).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: " ... الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً" (?)، وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: "وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام، فقد أطعم أنس بن مالك بعدما كبر، عاماً أو عامين، كلَّ يومٍ مسكيناً: خبزاً ولحمًا، وأفطر" (?).
ويُخيَّر العاجز عن الصيام، لكبرٍ، أو مرضٍ لا يُرجى برؤه في صفة الإطعام بين أمرين:
الأمر الأول: يفرِّق طعاماً على المساكين، لكل مسكين نصف صاعٍ على الصحيح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجرة: " ... أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع" (?)، والصاع النبوي أربع حفنات بكَفَّيْ الرجل المعتدل، وهو يزن تقريباً ثلاثة كيلو، أما نصف الصاع فيزن كيلو ونصف كيلو تقريباً، وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله، إذ قال: "عن كل يومٍ نصف صاعٍ من قوت البلد: من تمرٍ، أو أرزٍ، أو غيرهما، ومقداره بالوزن كيلو ونصف على سبيل التقريب" (?)، وهو اختيار اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حيث قالوا: " ... وهو نصف صاعٍ عن كل يومٍ من قوت البلد، وهو كيلو ونصف تقريباً" (?).
الأمر الثاني: يجوز أن يُصلحَ طعاماً، ويدعوَ إليه من المساكين بقدر الأيام التي عليه؛ لأن أنس بن مالك - رضي الله عنه - "أطعم بعد ما كبر عاماً أو عامين كل يوم مسكيناً: خبزاً ولحماً وأفطر" (?). قال ابن باز رحمه الله: "إذا كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يشق عليهما الصوم فلهما الإفطار ويطعمان عن يوم مسكيناً: إما بتشريكه معهما في الطعام، أو دفع نصف صاع من التمر، أو الحنطة، أو الأرز للمسكين كل يوم ... " (?).