وقد اختلف العلماء في حكم إجزاء الصوم ولو صام مع هذه الحالة:
1 - قال الجمهور: إن صام، وقَع صيامه، وأجْزَأه، وبه قال شيخ الإسلام إن تحمَّله وصام.
2 - في حين ذهَب أهل الظاهر إلى أنه لا يُجزئه، وأنَّ فرْضَه هو أيَّام أُخَر.
قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله: لا يجزئه الصوم؛ لأن الله ـ تعالى ـ جعل للمريض عدة من أيام أخر، فلو صام في مرضه فهو كالقادر الذي صام في شعبان عن رمضان، فلا يجزئه ويجب عليه القضاء.
وقول أبي محمد هذا مبني على القاعدة المشهورة، أن ما نهي عنه لذاته فإنه لا يقع مجزئاً، فإذا قلنا بالتحريم فإنَّ مقتضى القواعد أنه إذا صام لا يجزئه؛ لأنه صام ما نهي عنه كالصوم في أيام التشريق، وأيام العيدين لا يحل، ولا يصح، وبهذا نعرف خطأ بعض المجتهدين من المرضى الذين يشق عليهم الصوم وربما يضرهم، ولكنهم يأبون أن يفطروا فنقول: إن هؤلاء قد أخطأوا حيث لم يقبلوا كرم الله ـ عزّ وجل ـ، ولم يقبلوا رخصته، وأضروا بأنفسهم، والله ـ عزّ وجل ـ يقول: {{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}} [النساء: 29] (?).
وسبب الاختلاف: تردّد قول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} [البقرة: 184] بين أن يُحمل على الحقيقة، فلا يكون هناك محذوف أصلاً، أو يُحمل على المجاز، فيكون التقدير: فأفطَر، فعِدَّة من أيَّام أُخر، وهذا الحذف هو الذي يعرفه أهل صناعة الكلام بلحن الخطاب، فمَن حمَل الآية على الحقيقة، ولَم يَحملها على المجاز، قال: إنَّ فرْضَ المريض عدَّةٌ من أيَّام أُخر؛ لقوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر}، ومن قدَّر: "فأفطَر"، قال: إنما فرْضُه عدَّة من أيام أُخر إذا أفطَر.
د- المريض الذي يخاف من زيادة المرض أو طوله أو بطء برئه أو ضرر فيجوز له الفطر (?).
قال القرطبي رحمه الله تعالى: "وقال جمهور من العلماء: إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه، أو يخاف تماديه، أو يخاف تزيده صح له الفطر" (?).
وهذا الرأي معناه أن المريض يفطر حتى لو كان عند فطره ليس بشدة، ولكنه يخشى إذا صام أن يشتد مرضه.
وقد عبر محمود شلتوت عن هذا الرأي تعبيرا بليغا بقوله: "فإذا تعرض المسافر أو المريض للضرر ولو بالظن القوي وجب عليه الإفطار وكان الصوم حينئذ إعراضا عن رخصة الله، وإلقاء بالنفس إلى التهلكة باسم التدين والطاعة، وما ذلك إلا التنطع والعصيان" (?).
وعبر القرطبي عن هذا الرأي بوضوح بقوله: "أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل" (?).