وقال ابن كثير: "فحاصل الأمر أن النسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بإيجاب الصيام عليه، بقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وأما الشيخ الفاني [الهرم] الذي لا يستطيع الصيام فله أن يفطر ولا قضاء عليه، لأنه ليست له حال يصير إليها يتمكن فيها من القضاء، ولكن هل يجب عليه [إذا أفطر] أن يطعم عن كل يوم مسكينًا إذا كان ذا جِدة؟ فيه قولان للعلماء:

أحدهما: لا يجب عليه إطعام؛ لأنه ضعيف عنه لسنّه، فلم يجب عليه فدية كالصبي؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني - وهو الصحيح، وعليه أكثر العلماء -: أنه يجب عليه فدية عن كل يوم، كما فسره ابن عباس وغيره من السلف على قراءة من قرأ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أي: يتجشمونه، كما قاله ابن مسعود وغيره، وهو اختيار البخاري فإنه قال: "وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام، فقد أطعم أنس - بعد أن كبر عامًا أو عامين - كل يوم مسكينًا خبزًا ولحما، وأفطر" (?).

وهذا الذي علقه البخاري قد أسنده الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده، فقال: حدثنا عُبَيد الله بن مُعَاذ، حدثنا أبي، حدثنا عمران، عن أيوب بن أبي تميمة قال: ضعف أنس [بن مالك] عن الصوم، فصنع جفنة من ثريد، فدعا ثلاثيِن مسكينًا فأطعمهم (?).

ومما يلتحق بهذا المعنى: الحامل والمرضع، إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما، ففيهما خلاف كثير بين العلماء، فمنهم من قال: يفطران ويفديان ويقضيان. وقيل: يفديان فقط، ولا قضاء. وقيل: يجب القضاء بلا فدية. وقيل: يفطران، ولا فدية ولا قضاء" (?).

وكان فرض الصوم على رُتَبٍ ثلا ث على النحو الآتي (?):

الرتبة الأولى: فُرِضَ أولاً على وجه التخيير بينه وبين أن يُطعم عن كل يوم مسكيناً مع الترغيب في الصوم؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون} (?).

وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: "لمّا نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد أن يفطر ويفتدي (?) حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها"، وفي رواية لمسلم: "كُنَّا في رمضان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين، حتى أُنْزِلت هذه الأية: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (?) (?) وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرأ "فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ". قال: "هي منسوخة" (?) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والمراد بالطعام: الإطعام، قوله: "قال هي منسوخة" هوصريح في دعوى النسخ، ورجحه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015