والثاني: وقال بعض أهل العلم: {يُطِيقُونَهُ} أي يطوَّقونه؛ أي يتكلفونه، ويبلغ الطاقة منهم حتى يصبح شاقاً عليهم، ويقصد به العجوز الكبير الذي لا يستطيع الصوم والمريض مرضا مزمنا لا يبرأ منه ولا يستطيع معه الصوم فإنهما تجب عليهما الفدية ولا يكلفان بالصوم. وهذا قول سعيد بن المسيب، والسدي.
والثالث: أن في الآية حذفاً؛ والتقدير: وعلى الذين لا يطيقونه فدية، وهؤلاء مثلوا له بالرجل والمرأة العجوزين اللذين لا يقدران على الصوم (?).
وهذا الرأي فيه علة واضحة، وهي قلب صريح لظاهر الآية من الإثبات إلى النفي، فلا يمكن التسليم له بالقبول، وممن انتقد هذا الرأي محمد عبد (?).
والراجح ما قاله الجمهور، لأنه الأقرب لما ثبت عن سلمة أنها منسوخة وإن احتمل أن يكون النسخ هناك بمعنى التخصيص فكثيرا ما يطلق المتقدمون النسخ بمعناه.
وأما القولين الأخيرين كلاهما ضعيف؛ والثاني أضعف؛ "لأن هذا القول يقتضي تفسير المثبت بالمنفي؛ وتفسير الشيء بضده لا يستقيم؛ وأما القول الأول منهما فله وجه؛ لكن ما ثبت في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع يدل على ضعفه: "أنه أول ما كتب الصيام كان الإنسان مخيراً بين أن يصوم؛ أو يفطر، ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ... } " (?)؛ وكذلك ظاهر الآية يدل على ضعفه؛ لأن قوله بآخرها: {وأن تصوموا خير لكم} يدل على أنهم يستطيعون الصيام، وأنه خوطب به من يستطيع فيكون ظاهر الآية مطابقاً لحديث سلمة؛ وهذا هو القول الراجح أن معنى {يطيقونه}: يستطيعونه" (?).
قال الحافظ ابن حجر: "تضعف تأويل من زعم أن (لا) محذوفة من القراءة المشهورة، وأن المعنى: وعلى الذين لا يطيقونه فدية، وأنه كقول الشاعر:
فقلت يمين الله أبرح قاعداً (?)
أي: لا أبرح قاعداً، ورد بدلالة القسم على النفي بخلاف الآية (?)، ويثبت هذا التأويل أن الأكثر على أن الضمير في قوله: {يُطِيقُونَهُ} للصيام (?)، فيصير تقدير الكلام: وعلى الذين يطيقون الصيام فدية، والفدية لا تجب على المطيق، وإنما تجب على غيره (?)، والجواب عن ذلك أن في الكلام حذفاً تقديره: وعلى الذين