إحداهما: ألا يطيق الصوم بحال، فعليه الفطر واجبا.
الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل" (?).
والحكمة في التعبير بقوله: {عَلَى سَفَرٍ} - والله أعلم- "أن المسافر قد يقيم في بلد أثناء سفره عدة أيام، ويباح له الفطر؛ لأنه على سفر، وليست نيته الإقامة، كما حصل للرسول -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الفتح فإنه أقام في مكة تسعة عشر يوماً وهو يقصر الصلاة (?)، وأفطر حتى انسلخ الشهر (?) " (?).
واختلف العلماء في السفر الذي يجوز فيه الفطر والقصر، وفيه ثلاثة أوجه (?):
أحدهما: إجماع العلماء على جواز الفطر والقصر في سفر الطاعة، كالحج والجها.
قال ابن عطية: " ويتصل بهذين سفر صلة الرحم وطلب المعاش الضروري" (?).
والثاني: واختلفوا في سفر التجارات والمباحات بالمنع والإجازة.
قال ابن عطية: " والقول بالجواز أرجح"" (?).
الثالث: . وأما سفر العاصي، فيختلف فيه بالجواز والمنع.
قال ابن عطية: " والقول بالمنع أرجح" (?).
وفي قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وجهان (?):
أحدهما: أنه مع وجود السفر، يلزمه القضاء سواء صام في سفره أو أفطر، وهذا قول داود الظاهري (?).
والثاني: أن في الكلام محذوفاً وتقديره: فأفطر فعدة من أيام أخر، ولو صام في مرضه وسفره لم يعد، لكون الفطر بهما رُخْصَة لا حتماً، وهذا قول الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وجمهور الفقهاء (?).
وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: {فَعِدَّةً}، نصبا أي: فليصم عدّة (?).
قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، " أي وعلى الذين يستطيعون صيامه مع المشقة لشيخوخةٍ أو ضعفٍ، إِذا أفطروا عليهم فدية بقدر طعام مسكين لكل يوم" (?).
واختلف في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184]، على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها وردت في أول الإسلام، خيّر الله تعالى بها المطيقين للصيام من الناس كلهم بين أن يصوموا ولا يكفروا، وبين أن يفطروا ويكفروا كل يوم بإطعام مسكين، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وقيل بل نسخ بقوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيرٌ لَّكُم}، وهذا قول ابن عمر، وعكرمة، والشعبي، والزهري، وعلقمة، والضحاك، وهو قول الجمهور (?).