والإثم، فأما بعد وجوده منه، فلا وجه للخوف منه بأن يَجنف أو يأثم، بل تلك حال مَنْ قد جَنفَ أو أثم، ولوْ كان ذلك معناه لقيل: فمن تبيّن من مُوص جَنفًا أو إثمًا - أو أيقن أو علم - ولم يقل: فمن خَافَ منه جَنفًا" (?).
واختلفت القراءة في قوله تعالى: {مِنْ مُوصٍ} [البقرة: 182]، على وجهين (?):
أحدهما: {من موص}، خفيفة ساكنة الواو. ق بها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر، وحفص عن عاصم خفيفة أيضا.
والثاني: {من موص} مثقلة مفتوحة الواو مشددة الصاد. وهي قراءة عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي.
وهما لغتان للعرب مشهورتان: وصَّيتك، وأوصيتك (?)، فمن قرأ ذلك: {مُوصِ} بتخفيف (الصاد) وتسكين (الواو)، فإنما قرأه بلغة من قال: أوصيتُ فلانًا بكذا " (?).
ومن قرأ: {مُوَصٍّ} بتحريك (الواو) وتشديد (الصاد)، قرأه بلغة من يقول: وصَّيت فلانًا بكذا" (?).
قال القرطبي: والتشديد" أبين، لأن أكثر النحويين يقولون (موص) للتكثير" (?).
وقرأ عليٌّ -كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ-: " (حَيْفاً) بالحاء والياء؛ أي ظُلماً"ُ (?).
والفرق بين الْجَنَفِ وَالْحَيْفِ: "أنَّ (الْجَنَفَ) عدول عن الشيء، و (الْحَيْفَ) حَمْلٌ عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَنْتَقِصَهُ، وَعَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يَنْتَقِصَ حَقَّهُ "ُ (?).
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 182]؛ أي إن الله "واسع المغفرة والرحمة لمن قصد بعمله الإِصلاح" (?).
قال سعيد بن جبير: " يعني: الوصي حين أصلح بين الورثة رحيم يعني: رحيما به خبيرا به، حيث رخص له في خلاف جور وصية الميت" (?).
قال الطبري: " والله {غَفورٌ} للموصي فيما كان حدَّث به نفسه من الجنف والإثم، إذا تَرَك أن يأثم ويَجنف في وصيته، فتجاوزَ له عما كان حدَّث به نفسه من الجور، إذ لم يُمْضِ ذلك فيُغْفِل أن يؤاخذه به، {رحيمٌ} بالمصلح بينَ المُوصي وبين من أراد أن يَحيف عليه لغيره، أو يَأثَم فيه له" (?).