قال الطبراني: " لِما توعَّدَ اللهُ المبدِّلَ؛ خافَ الأوصياءُ من التبديلِ، فكانوا ينفذونَ وصيةَ الميت وإن جارَ في وصيتهِ واستغرقت كلَّ المالِ، فأنزلَ اللهُ هذه الآية وبيَّن أن الإثم في تبديلِ الحقِّ بالباطل، وإذا غيَّر الوصيُّ من باطلٍ إلى حقٍّ على طريق الإصلاحِ فهو محسنٌ فلا أثمَ عليه" (?).
واختلف في تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَينَهُم فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 182]، على خمسة أقاويل (?):
أحدها: أن تأويله فمن حضر مريضاً، وهو يوصي عند إشرافه على الموت، فخاف أن يخطئ في وصيته، فيفعل ما ليس له أو أن يتعمد جَوْراً فيها، فيأمر بما ليس له، فلا حرج على من حضره فسمع ذلك منه، أن يصلح بينه وبين ورثته، بأن يأمره بالعدل في وصيته، وهذا قول مجاهد (?).
والثاني: أن تأويلها فمن خاف من أوصياء الميت جنفاً في وصيته، فأصلح بين ورثته وبين المُوصَى لهم فيما أُوصِيَ به لهم حتى رد الوصية إلى العدل، فلا إثم عليه، وهذا قول ابن عباس (?)، وقتادة (?).
والثالث: أن تأويلها فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً في عطيته لورثته عند حضور أجله، فأعطى بعضاً دون بعض، فلا إثم عليه أن يصلح بين ورثته في ذلك، وهذا قول عطاء (?).
والرابع: أن تأويلها فمن خاف من موصٍ جنفاً، أو إثماً في وصيته لغير ورثته، بما يرجع نفعه إلى ورثته فأصلح بين ورثته، فلا إثم عليه، وهذا قول طاووس (?).
والخامس: أن تأويلها فمن خاف من موصٍ لآبائه وأقربائه جنفاً على بعضهم لبعض، فأصلح بين الآباء والأقرباء، فلا إثم عليه، وهذا قول السدي (?).
والصواب في تفسير الآية، هو أن يوصي لوالديه والأقربين الذين لايرثونه بأكثر مما يجوز له في الوصية، مما لم يأذن به الله، وذلك بأن يوصي "مما جاوز الثلث أو بالثلث كله، وفي المال قلة، وفي الوَرَثة كثرةٌ فلا بأس على من حضره أن يصلح بين الذين يُوصَى لهم، وبين ورثة الميت، وبين الميت، بأن يأمرَ الميت في ذلك بالمعروف ويعرِّفه ما أباح الله له في ذلك وأذن له فيه من الوصية في ماله، وينهاه أن يجاوز في وصيته المعروف الذي قال الله تعالى ذكره في كتابه: " كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموتُ إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف "، وذلك هو " الإصلاح " الذي قال الله تعالى ذكره: " فأصلح بينهم فلا إثم عليه ". وكذلك لمن كان في المال فَضْل وكثرةٌ وفي الورثة قِلة، فأراد أن يقتصر في وصيته لوالديه وأقربيه عن ثلثه، فأصلح من حَضرَه بينه وبين ورثته وبين والديه وأقربيه الذين يريد أن يوصى لهم، بأن يأمر المريض أن يزيد في وصيته لهم، ويبلغ بها ما رَخّص الله فيه من الثلث. فذلك أيضًا هو من الإصلاح بينهم بالمعروف.
وإنما اخترنا هذا القول، لأن الله تعالى ذكره قال: {فمن خَاف من موص جَنفًا أو إثمًا}، يعني بذلك: فمن خاف من موص أن يَجْنَف أو يَأثم. فخوفُ الجنف والإثم من الموصي، إنما هو كائن قبل وقوع الجنف