فمَن علم مِن موصٍ ميلا عن الحق في وصيته على سبيل الخطأ أو العمد، فنصح الموصيَ وقت الوصية بما هو الأعدل، فإن لم يحصل له ذلك فأصلح بين الأطراف بتغيير الوصية؛ لتوافق الشريعة، فلا ذنب عليه في هذا الإصلاح. إن الله غفور لعباده، رحيم بهم.
في سبب نزول الآية: قال الواحدي: " قال الكلبي: كان الأولياءُ والأوصياءُ يمضون وصية الميت بعد نزول هذه الآية وإن كانت مستغرقة للمال، فأنزل الله قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} أي: خشي، وقيل: علم" (?).
وذكره الثعلبي في تفسيره، لكنه قال: "ثم نسختها هذه الآية: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} " (?).
وروى عبد الرزاق في المصنف، عن سفيان الثوري نحوه (?).
قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: 182]، أي: فمن علم وتوقع وظن ميلاً في الوصية خطأ أو ميلاً فيها عمداً (?).
قال الزجاج: " أي ميلا، أو إثما، أو قصدا لإثم" (?).
قال الطبراني: "أي مَيْلاً عن الحقِّ على جهةِ الخطأ، أو مَيْلاً إلى جهة العمدِ؛ بأن زادَ في الوصيةِ على الثُّلث؛ أو أقرَّ بغيرِ الواجبٍ؛ أو جَحَدَ حقّاً عليه " (?).
قال السعدي: أي: " (الجنف): خو الميل بالوصية عن خطأ، من غير تعمد، و (الإثم): وهو التعمد لذلك" (?).
وهذا (الخطأ)، "يشمل أنواع الخطأ كلها، بأن زاد وارثا بواسطة أو وسيلة، كما إذا أوصى ببيعه الشيءَ الفُلانيّ محاباة، أو أوصى لابن ابنته ليزيدها، أو نحو ذلك من الوسائل، إما مخطئًا غير عامد، بل بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر، أو متعمدًا آثمًا في ذلك، فللوصيّ - والحالة هذه - أن يصلح القضية ويعدلَ في الوصية على الوجه الشرعي. ويعدل عن الذي أوصى به الميت إلى ما هو أقرب الأشياء إليه وأشبه الأمور به جمعا بين مقصود الموصي والطريق الشرعي. وهذا الإصلاح والتوفيق ليس من التبديل في شيء. ولهذا عطف هذا - فبينه- على النهي لذلك، ليعلم أنّ هذا ليس من ذلك بسبيل، والله أعلم" (?).
وقوله: {خاف} [البقرة: 182]، يحتمل وجهان (?):
أحدهماأنه بمعنى (خشي).
وتفسير الآية: "من حَضَر مَرِيضًا وهو يُوصي، فخاف أن يخطئ في وصيته فيفعل ما ليس له، أو يتعمد جورًا فيها فيأمر بما ليس له، فلا حَرَجَ عليه أن يُصلح بينه وبين ورثته، بأن يأمره بالعدل وهذا قول مجاهد (?) " (?).