والثاني: أنه بمعنى: (علم). قاله سعيد بن جبير (?)، ومنه قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا} [البقرة: 229] أي إلا أنْ يَعْلَمَا.
وتفسير الآية: أن " الميت إذا أخطأ في وصيته، أو حاف فيها متعمدًا، فلا حَرَجَ على من علم ذلك أن يُغَيِّرَه، ويصلح بعد موتِه بين ورثته وبين المُوصَى لهم، من وليّ أو وصيّ أو والي أمر المسلمين، ويردَّ الوصيَة إلى العدل. وهذا معنى قول ابن عباس (?)، وقتادة (?)، والربيع (?) " (?).
قال الواحدي: "و (الخوف) و (الخشية) يستعملان بمعنى العلم؛ لأن في الخشية والمخافة طرفًا من العلم؛ لأن القائل إذا قال: أخاف أن يقع أمر كذا، كأنه يقول: أعلم، وإنما يخاف لعلمه بوقوعه، فاستعمل الخوف في العلم، قال الله تعالى: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا} [الكهف: 80] أي: علمنا، ومنه {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام: 51] وقوله: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا} [البقرة: 229] " (?).
وفي قوله تعالى: {جَنَفاً أَوْ إِثْماً} [البقرة: 182]، تأويلان (?):
أحدهما: أن الجنف الخطأ، والإثم العمد، وهذا قول ابن عباس (?)، والسدي (?)، والضحاك (?)، ومجاهد (?)، والربيع (?)، وإبراهيم (?)، وعطية (?)، وطاوس (?).
والثاني: أن الجنف الميل، والإثم أن يكون قد أثم في أَثَرةِ بعضهم على بعض، وهذا قول وعطاء (?)، وابن زيد (?).
وفي اللغة العربية كلمة (الجنف): من جنف يجنف جنفاً إذا مال وجار (?)، أي: الجورُ والعدول عن الحق، قال تعالى: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة: 3]، ومنه قول الشاعر (?):
هُمُ المَوْلَى وَإِنْ جَنَفُوا عَلَيْنَا ... وَإِنَّا مِنْ لِقَائِهِمُ لَزُورُ
يقال منه: جَنف الرجل على صاحبه يَجنَف، إذا مال عليه وجَار جَنفًا (?). ومنه قول الأعشى (?):