يريد: أنهم إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتابُ، وكَفُّوا عن القتل، فكان في ذلك حياة. أخذه المتمثلون فقالوا: بعض القتل أحيا للجميع، وقالوا: القتل أقل للقتل" (?).

وفي تفسير قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]، ثلاثة أوجه (?):

أحدها: إذا ذكره الظالم المعتدي، كف عن القتل فحيي، وهذا قول مجاهد (?)، وقتادة (?)، وسعيد بن جبير (?)، وأبي مالك (?)، والحسن (?)، والربيع بن أنس (?)، ومقاتل بن حيان (?)، وابن زيد (?)، وأبي العالية (?)، وأبي صالح (?).

والثاني: أن إيجاب القصاص على القاتل وترك التعدي إلى من ليس بقاتل حياة للنفوس، لأن القاتل إذا علم أن نفسه تؤخذ بنفس من قتله كف عن القتل فَحِيِيَ أن يقتل قوداً، أو حَيِيَ المقتول أن يقتل ظلماً. وهذا معنى قول السدي (?)، والثوري (?)، وأبي صالح (?) في أحد قوليه.

الثالث: أنه" يعني: بالحياة الصلاح والعدل". وهذا قول الضحاك (?).

الرابع: وقال عطاء عن ابن عباس: " {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، فرح". حكاه الواحدي (?).

وأراد: "أن ولي الدم إذا استوفى القصاص تشفّى بذلك وطابت نفسه، فالتذ بالحياة، ولولا القصاص لتنغص بعيشه، فكأن حياته موتًا. وقد يبلغ بالإنسان القصور عن إدراك الثأر إلى أن يتمنى الموت، سيما العرب، فإنهم أشد الأمم حفاظًا، وأحرصهم على إدراك الثأر، والأخذ بالطوائل، وكل عيشٍ يراد الموتُ فيه موت، فإذا زال سبب تمني الموت بالقصاص كان فيه حياة" (?).

الخامس: ويجوز أن يكون المعنى في هذا ما تذهب إليه العرب من أن قتل القاتل إحياء للمقتول، يقولون: أحيا فلان أباه، إذا قتل قاتله، ومنه قول عامر الخصفي (?):

أحيا أباه هاشمُ بنُ حَرمَله ... إذ الملوكُ حوله مُرَعبله

يعني: قتل قاتله، فسماه إحياءً، فعلى هذا في القصاص حياة للمقتول على معنى: أن المراد بالحياة قتل قاتله (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015