قال ابن كثير: معناه: "إنما شرع لكم أخذ الدية في العمد تخفيفًا من الله عليكم ورحمة بكم، مما كان محتوما على الأمم قبلكم من القتل أو العفو" (?).
قال الطبري: أي: "مما كنت ثَقَّلته على غيركم، بتحريم ذلك عليهم ورحمة، مني لكم" (?).
وقد ذكر ابن عباس (?)، وقتادة (?)، والربيع (?)، رضي الله عنهم، أن بني إسرائيل فرض الله عليهم القصاص فرضاً؛ وهذه الأمة خفف عنها؛ فلم يجب عليها القصاص؛ لأن الإنسان قد يكون لديه رحمة بالقاتل؛ وقد يكون القاتل من أقاربه؛ وقد يكون اعتبارات أخرى فلا يتمكن من تنفيذ القصاص في حقه؛ فخفف على هذه الأمة - ولله الحمد (?).
و(الرب) معناه" "الخالق المالك المدبر لخلقه كما يشاء على ما تقتضيه حكمته" (?).
وقوله تعالى: [وَرَحْمَةٌ}، "أي بالجميع: بالقاتل - حيث سقط عنه القتل، وبأولياء المقتول - حيث أبيح لهم أن يأخذوا العوض؛ لأن من الجائز أن يكون الواجب إما القصاص؛ أو العفو مجاناً؛ لكن من رحمة الله أنه أباح هذا، وهذا؛ فهو رحمة بالجميع" (?).
قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} [البقرة: 178] "" أي فمن اعتدى على القاتل بعد قبول الدية" (?).
قال الثعلبي: أي: " ظلم وتجاوز الحد" (?).
قال الطبري: "أي: فمن تجاوز ما جَعله الله له بعدَ أخذه الدّية، اعتداءً وظلمًا إلى ما لم يُجعل له من قتل قاتِل وليه وسفك دمه (?).
قال الزجاج: " أي: بعد أخذ الدية، ومعنى اعتدى: ظلم، فوثب فقتل قاتل صاحبه بعد أخذ الدية" (?).
قال ابن كثير: أي: " فمن قتل بعد أخذ الدية أو قبولها" (?).
قال السعدي: " أي: بعد العفو" (?).
وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} [البقرة: 178]، يحتمل وجهين من المعنى:
أحدهما: أن المراد: فمن اعتدى من أولياء المقتول. وهو المشهور.
قال مجاهد: {فَمَنِ اعْتَدَى}، بعد أخذ الدية" (?).
وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا أعافي رجلا قَتل بَعد أخذه الدية (?).
والثاني: وقيل: "يحتمل أن يكون المراد: من اعتدى من أولياء المقتول، ومن القاتل" (?).
قوله تعالى: {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178]، أي: " فله عذاب أليم في الآخرة" (?).
قال الضحاك": يُقتل، وهو العذاب الأليم يقول: العذاب المُوجع" (?).
قال الثعلبي: " يقتل في الدّنيا ولا يعفى عنه" (?).
قال ابن كثير: أي: " فله عذاب من الله أليم موجع شديد" (?).
قال الطبري: أي: "فله بفعله ذلك وتعدِّيه إلى ما قد حرمته عليه، عذابٌ أليم" (?).
قال الزجاج: " أي موجع" (?).
واختلف في قوله تعالى: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178]، على قولين (?):
أحدهما: أنه القتلُ بمن قتله بعد أخذ الدية منه، وعفوه عن القصاص منه بدم وليِّه. وهذا قول الضحاك (?)، وسعيد بن جبير (?)، وعكرمة (?).
والثاني: أن ذلك العذابُ: عقوبة يعاقبه بها السلطان على قدر ما يَرَى من عقوبته. وهذا قول الحسن (?).
وقد اعترض الإمام الطبري على هذا الرأي وقال بأنه"خلافٌ لما دلَّ عليه ظاهرُ كتاب الله، وأجمع عليه علماء الأمة، وذلك أنّ الله جعل لوليّ كل مقتول ظلمًا السلطانَ دون غيره، من غير أن يخصّ من ذلك قتيلا دون قتيل. فسواءٌ كان ذلك قتيلَ وليّ من قتله أو غيره. ومن خص من ذلك شيئًا سئل البرهان عليه من أصلٍ أو نظير، وعُكِس عليه القول فيه، ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. ثم في إجماع الحجة على خلاف ما قاله في ذلك، مكتفًى في الاستشهاد على فساده بغيره" (?).