ديات القتلى بعضهم من بعض، فمن بقيت له بقية فليتبعها بمعروف، وليرد من عليه الفاضل بإحسان، ويكون معنى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}: أي فضل له قِبل أخيه القاتل شيء، وهذا قول السدي (?).
والثالث: أن هذا محمول على تأويل عليّ -ضي الله عنه- في أول الآية؟ في القصاص بين الرجل والمرأة والحر والعبد وأداء ما بينهما من فاضل الدية (?).
والصواب: أن معنى قوله تعالى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}: فمن صُفح له عن شيء من الواجب، على دية يأخذها منه، فاتباعٌ بالمعروف من العافي عن الدم، الراضي بالدية من دم وليه وأداء إليه - من القاتل - ذلك بإحسان، لأن أنّ معنى قوله تعالى: {كُتب عليكم القصاص}، إنما هو القصَاص من النفوس القاتلة أو الجارحة أو الشاجَّة عمدًا. فكذلك (العفو) أيضًا عن ذلك (?).
قوله تعالى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178]، " أي فعلى العافي اتباعٌ للقاتل بالمعروف بأن يطالبه بالدية بلا عنفٍ ولا إِرهاق" (?).
قال السعدي: "أي: " يتبع القاتل {بِالْمَعْرُوفِ} من غير أن يشق عليه، ولا يحمله ما لا يطيق، بل يحسن الاقتضاء والطلب، ولا يحرجه" (?).
وذكر الزجاج في (الاتباع بالمعروف والأداء إليه بإحسان) وجهان (?):
أحدهما: أن الاتباع بالمعروف عائد إلى ولي المقتول أن يطالب بالدية بمعروف، والأداء عائد إلى القاتل أن يؤدي الدية بإحسان.
والثاني: أنهما جميعاً عائدان إلى القاتل أن يؤدي الدية بمعروف وبإحسان.
قوله تعالى: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178]، أي: " وعلى القاتل أداءٌ للدية إِلى العافي - ولي المقتول - بلا مطل ولا بخس" (?).
قال السعدي: "أي: وعلى القاتل إيصال إلى العافي عن القصاص من غير مطل ولا نقص، ولا إساءة فعلية أو قولية، فهل جزاء الإحسان إليه بالعفو، إلا الإحسان بحسن القضاء، وهذا مأمور به في كل ما ثبت في ذمم الناس للإنسان، مأمور من له الحق بالاتباع بالمعروف، ومن عليه الحق، بالأداء بإحسان" (?).
قال ابن عثيمين: "وإنما نص على «الإحسان» هنا؛ و (المعروف) هناك؛ لأن القاتل المعتدي لا يكفّر عنه إلا الإحسان ليكون في مقابلة إساءته؛ أما أولئك العافون فإنهم لم يجنوا؛ بل أحسنوا حين عدلوا عن القتل إلى الدية" (?).
قوله تعالى: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178]، "أي ما شرعته لكم من العفو إِلى الدية تخفيف من ربكم عليكم ورحمة منه بكم" (?).
قال الماوردي: " يعني خيار الولي في القود أو الدية" (?).