والصواب هو الرأي الأول، وهو قول الجمهور، "لأن جنايته لا تزيد على جناية غيره" (?).

وقد رجّح الإمام الطبري القول الأول أيضا، وهو القتل، "لأن الله تعالى جعل لكل وليِّ قتيلٍ قُتل ظلمًا، سلطانًا على قاتل وليه، فقال تعالى ذكره {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [سورة الإسراء: 33]. فإذ كان ذلك كذلك: وكان الجميع من أهل العلم مجمعين على أن من قَتل قاتلَ وليه بعد عفوه عنه وأخذِه منه دية قتيله، أنه بقتله إياه له ظالم في قتله - كان بَيِّنًا أن لا يولِّي من قَتله ظُلمًا كذلك، السلطانَ عليه في القصاص والعفو وأخذ الدية، أيّ ذلك شاء، وَإذا كان ذلك كذلك، كان معلومًا أن ذلك عذابُه، لأن من أقيم عليه حدُّه في الدنيا، كان ذلك عقوبته من ذنبه، ولم يكن به متَّبَعًا في الآخرة، على ما قد ثبت به الخبر (?) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" (?).

قال الثعلبي: " وفي هذه الآية دليل على إنّ القاتل لا يصير كافرا ولا يبقى خالدا في النّار لأنّ الله تعالى، خاطبهم فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ ولا خلاف إنّ القصاص واقع في العمد فلم يسقط عنه أسم الأيمان بارتكاب هذه الكبيرة، وقال في آخر الآية فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فسمى القاتل أخا المقتول، وقال ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ وهما [يخصّان] المؤمنين دون الكافرين" (?).

وقال الواحدي: " وفي هذه الآية أدلة على القدرية:

أحدها: قوله في افتتاح الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} ولا خلاف أن القصاص واقع في قتل العمد، فلم يسقط اسم الإيمان عن القاتل بارتكاب هذه الكبيرة.

والثاني: ما ذكرنا في قوله: {مِنْ أَخِيهِ}.

والثالث: قوله: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} وهما يلحقان

المؤمنين" (?).

الفوائد:

1 - من فوائد الآية: أهمية القصاص؛ لأن الله وجه الخطاب به إلى المؤمنين؛ وصدره بالنداء المستلزم للتنبيه؛ وتصدير الخطاب بالنداء فائدته التنبيه، وأهمية الأمر.

2 - ومنها: أن تنفيذ القصاص من مقتضى الإيمان؛ لأن الخطاب موجه للمؤمنين.

3 - ومنها: أن ترك تنفيذه نقص في الإيمان؛ فما كان من مقتضى الإيمان تنفيذه فإنه يقتضي نقص الإيمان بتركه.

4 - ومنها: وجوب التمكين من القصاص؛ لقوله تعالى: {كتب عليكم القصاص}.

5 - ومنها: مراعاة التماثل بين القاتل، والمقتول؛ لقوله تعالى: {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}.

6 - ومنها: أن الحر يقتل بالحر - ولو اختلفت صفاتهما، كرجل عالم عاقل غني جواد شجاع قتل رجلاً فقيراً أعمى أصم أبكم زمِناً جباناً جاهلاً فإنه يقتل به؛ لعموم قوله تعالى: {الحر بالحر}.

7 - ومنها: أن العبد يقتل بالحر؛ لأنه إذا قُتل الحر بالحر فمن باب أولى أن يقتل العبد بالحر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015