أحدها: أنهم مختلفون في دلالة التوراة على نبوة المسيح فاليهود قالوا: إنها دالة على القدح في عيسى والنصارى قالوا إنها دالة على نبوته
وثانيها: أن القوم اختلفوا في تأويل الآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فذكر كل واحد منهم له تأويلا آخر فاسدا لأن الشيء إذا لم يكن حقا واجب القبول بل كان متكلفا كان كل أحد يذكر شيئا آخر على خلاف قول صاحبه، فكان هذا هو الإختلاف.
وثالثها: ما ذكره أبو مسلم فقال: قوله: {اختلفوا} من باب افتعل الذي يكون مكان فعل، كما يقال: كسب واكتسب، وعمل واعتمل، وكتب واكتتب، وفعل وافتعل، ويكون معنى قوله: {الذين اختلفوا فى الكتاب} الذين خلفوا فيه أي توارثوه وصاروا خلفاء فيه كقوله: {فخلف من بعدهم خلف} [الأعراف: 169] وقوله: {إن فى اختلاف اليل والنهار} [يونس: 6]، أي كل واحد يأتي خلف الآخر، وقوله: {وهو الذى جعل اليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر} [الفرقان: 62]، أي كل واحد منهما يخلف الآخر.
والوجه الثالث: أن يكون المراد بـ {الكتاب}: "جنس ما أنزل الله والمراد بالذين اختلفوا في الكتاب الذين اختلف قولهم في الكتاب، فقبلوا بعض كتب الله وردوا البعض وهم اليهود والنصارى حيث قبلوا بعض كتب الله وهو التوراة والإنجيل وردوا الباقي وهو القرآن" (?).
قال شيخنا ابن عثيمين: "
وقوله تعالى: {لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: 176]، " أي في خلاف بعيد عن الحق والصواب" (?).
قال الثعلبي: أي: " لفي خلاف، وضلال طويل" (?).
قال الطبراني: "أي خلافٍ طويل" (?).
قال ابن عثيمين: "أي: لفي جانب بعيد عن الحق، وهذا البعد يختلف: فمنهم من يكون بعيداً جداً؛ ومنهم من يكون دون ذلك" (?).
قال الزجاج: أي: " بتباعد بعضهم في مَشَاقَّةِ بعض، لأن إليهود والنصارى هم الَّذين اختلفوا في الكتاب ومشاقتهم بعيدة" (?).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: إثبات العلل، والأسباب؛ لقوله تعالى: {ذلك بأن}؛ والباء للسببية؛ وقد ذكر بعض أهل العلم أن في القرآن أكثر من مائة موضع كلها تفيد إثبات العلة؛ خلافاً للجبرية - الذين يقولون: «إن فعل الله عز وجل ليس لحكمة؛ بل لمجرد المشيئة».
2 - ومنها: الثناء على كتب الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {بأن الله نزَّل الكتاب بالحق}.
3 - ومنها: ثبوت العلو لله عزّ وجل؛ لقوله تعالى: {بأن الله نزَّل الكتاب}.
4 - ومنها: أن المختلفين في كتب الله لا يزالون في شقاق بعيد لا تتقارب أقوالهم - وإن تقاربت أبدانهم.
5 - ومنها: أن الاختلاف ليس رحمة؛ بل إنه شقاق، وبلاء؛ وبه نعرف أن ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اختلاف أمتي رحمة» (?) لا صحة له؛ وليس الاختلاف برحمة؛ بل قال الله سبحانه وتعالى: {ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك} [هود: 118] أي فإنهم ليسوا مختلفين؛ نعم؛ الاختلاف رحمة