المنزلة على رسله؛ فلهذا استحقوا العذاب والنكال؛ ولهذا قال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} " (?).
وقوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ} [البقرة: 176]، "أي: إن الذين اختلفوا في الكتاب الذي نزله الله عز وجل بحق" (?).
قا الصابوني: " أي اختلفوا في تأويله وتحريفه" (?).
قال الثعلبي: " فآمنوا ببعض وكفروا ببعض" (?).
قال ابن عثيمين: "أي: في الكتاب الذي نزله الله عز وجل بحق؛ وهذا الاختلاف يشمل الاختلاف في أصله: فمنهم من آمن؛ ومنهم من كفر، والاختلافَ فيما بينهم أي فيما بين أحد الطرفين: فمنهم من استقام في تأويله؛ ومنهم من حرف في تأويله على غير مراد الله سبحانه وتعالى" (?).
واختلفوا في المراد بقوله تعالى: {الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ} [البقرة: 176]، وفيه وجهان:
أحدهما: أنهم الكفار أجمع، اختلفوا في القرآن (?).
والثاني: أنهم أهل الكتاب: (اليهود والنصارى). قاله السدي (?).
قال الطبراني: "وأرادَ بالكتاب: التوراةَ والإنجيلَ وما فيهما من البشارةِ بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وصحَّةِ أمرهِ ودينهِ" (?).
قال الإمام الطبري: " يعني بذلك اليهودَ والنصارى. اختلفوا في كتاب الله، فكفرت اليهودُ بما قصَّ الله فيه من قَصَص عيسى ابن مريم وأمه. وصَدقت النصارى ببعض ذلك، وكفروا ببعضه، وكفروا جميعًا بما أنزل الله فيه من الأمر بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم. فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء الذين اختلفوا فيما أنزلت إليك يا محمد لفي منازعة ومفارقة للحق بعيدة من الرشد والصواب، كما قال الله تعالى ذكره: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [سورة البقرة: 137] " (?).
والقول الثاني هو الراجح: لأن "الأقرب حمله على التوراة والإنجيل اللذين ذكرت البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم فيهما، لأن القوم قد عرفوا ذلك وكتموه وحرفوا تأويله، فإذا أورد تعالى ما يجري مجرى العلة في إنزال العقوبة بهم فالأقرب أن يكون المراد كتابهم الذي هو الأصل عندهم دون القرآن الذي إذا عرفوه فعلى وجه التبع لصحة كتابهم" (?).
وفي تفسير {الكتاب} [البقرة: 176]، ثلاثة وجوه (?):
الوجه الأول: أنه القرآن، إذ كان اختلافهم فيه أن بعضهم قال: إنه كهانة، وآخرون قالوا: إنه سحر، وثالث قال: رجز، ورابع قال: إنه أساطير الأولين وخامس قال: إنه كلام منقول مختلق.
والوجه الثاني: أن المراد: التوراة والإنجيل، فالمراد باختلافهم يحتمل وجوها: