الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة البقرة: 6 - 7] فهم - مع ما أخبر الله عنهم من أنهم لا يؤمنون - لا يكون منهم غيرُ اشتراء الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة (?).
الثاني: وقيل: معناه: {ذَلِكَ} معلومٌ لهم، بأن الله نزل الكتاب بالحق، لأنّا قد أخبرنا في الكتاب أنّ ذلك لهم، والكتابُ حَق.
قال الطبري: "كأن قائلي هذا القول كان تأويل الآية عندهم: ذلك العذاب الذي قال الله تعالى ذكره، فما أصبرهم عليه معلومٌ أنه لهم. لأن الله قد أخبر في مواضع من تنزيله أن النار للكافرين، وتنزيله حق، فالخبر عن " ذلك " عندهم مُضمر" (?).
الثالث: وقيل: معنى {ذَلِكَ}، أن الله وصف أهل النار، فقال: {فما أصبرهم على النا}، ثم قال: هذا العذاب بكفرهم، و (هذا) هاهنا عندهم، هي التي يجوز مكانها {ذَلِكَ}، كأنه قال: فعلنا ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به. قال: فيكون {ذَلِكَ} - إذا كان ذلك معناه - نصبًا، ويكون رفعًا بالباء.
والصواب: أن الله تعالى ذكره أشار بقوله: {ذَلِكَ}، إلى جميع ما حواه قوله: {إنّ الذين يَكتمونَ مَا أنزلَ الله من الكتاب}، إلى قوله: {ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق}، من خبره عن أفعال أحبار اليهود، وذكره ما أعد لهم تعالى ذكره من العقاب على ذلك، فقال: هذا الذي فعلته هؤلاء الأحبارُ من اليهود بكتمانهم الناسَ ما كتموا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته مع علمهم به، طلبًا منهم لعرَض من الدنيا خسيس - وبخلافهم أمري وطاعتي وذلك - من تركي تطهيرَهم وتزكيتهم وتكليمهم، وإعدادي لهم العذاب الأليم - بأني أنزلت كتابي بالحق، فكفروا به واختلفوا فيه (?).
فيكون في {ذَلِكَ} حينئذ وجهان من الإعراب: رفعٌ ونصب:
والرفع يكون بالابتداء (?)، و"هو إشارة إلى الحكم، كأنه قال: ذلك الحكم بالنار" (?)، المشار إليه ما ذكر من جزائهم؛ أي ذلك الجزاء الذي يجازون به.
وأما النصب فمعنى: معناه فعلنا ذلك بهم، "بأني أنزلت كتابي بالحق، فكفروا به واختلفوا فيه، وترك ذكر " فكفروا به واختلفوا "، اجتزاءً بدلالة ما ذكر من الكلام عليه" (?).
واختلفوا في قوله تعالى: {بِالْحَقِّ} [البقرة: 176]، على قولين: (?)
أحدهما: أن المعنى: بالعذاب والصِّدقِ أو ببيان الحق (?)، فحينئذ يكونُ {ذَلِكَ}، في موضع الرفع (?).
والثاني: وقيل: هو في محل النصب؛ معناهُ: فعلنا ذلك بهم؛ بأنَّ الله أو لأن الله نزَّلَ الكتابَ بالحق فاختلفوا فيه وكفروا به؛ فَنُزِعَ الخافضُ.
قال ابن كثير: " فهؤلاء فإنما استحقوا هذا العذاب الشديد لأن الله تعالى أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء قبله كتبه بتحقيق الحق وإبطال الباطل، وهؤلاء اتخذوا آيات الله هزوًا، فكتابهم يأمرهم بإظهار العلم ونشره، فخالفوه وكذبوه. وهذا الرسول الخاتم يدعوهم إلى الله تعالى، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وهم يكذبونه ويخالفونه ويجحدونه، ويكتمون صفته، فاستهزؤوا بآيات الله